﴿إني ظننت﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: أيقنت وعلمت. وقيل: ظننت بأن يؤاخذني الله بسيئاتي فقد تفضل عليّ بعفوه ولم يؤاخذني بها. وقال الضحاك: كل ظن من المؤمن في القرآن فهو يقين ومن الكافر فهو شك. وقال مجاهد رضي الله عنه: ظن الآخرة يقين وظن الدنيا شك. وقال الحسن رضي الله عنه في هذه الآية: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل.
﴿أني ملاق﴾، أي: ثابت لي ثباتاً لا ينفك أني ألقى ﴿حسابيه﴾، أي: في الآخرة ولم ينكر البعث يعني أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب لأنه تيقن أن الله تعالى يحاسبه فعمل للآخرة فحقق الله تعالى رجاءه وأمن خوفه فعلم الآن أنه لا يناقش الحساب، وإنما حسابه بالعرض وهو الحساب اليسير فضلاً من الله تعالى ونعمة.
﴿فهو في عيشة﴾ أي: حالة من العيش، وقوله تعالى: ﴿راضية﴾ فيه ثلاثة أوجه:
(١٣/١٢٠)
أحدها: أنه على النسب، أي: ذات رضا نحو لابن وتامر لصاحب اللبن والتمر، أي: ثابت لها الرضا ودائم لها؛ لأنها في غاية الحسن والكمال، والعرب لا تعبر عن أكبر السعادات بأكثر من العيشة لراضية بمعنى أن أهلها راضون بها، والمعتبر في كمال اللذة الرضا.
الثاني: أنه على إظهار جعل العيشة راضية لمحلها وحصولها في مستحقها، وأنه لو كان للعيشة عقل لرضيت لنفسها بحالتها.
الثالث: قال أبو عبيدة والفراء: إن هذا مما جاء فيه فاعل بمعنى: مفعول نحو: ماء دافق بمعنى: مدفوق، كما جاء مفعول بمعنى: فاعل كما في قوله تعالى: ﴿حجاباً مستوراً﴾ (الإسراى: ٤٥)، أي: ساتراً وقال ﷺ «إنهم يعيشون فلا يموتون أبداً ويصحون فلا يمرضون أبداً وينعمون فلا يرون بأساً أبداً ويشبون فلا يهرمون أبداً». ﴿في جنة﴾ أي: بساتين جامعة لجميع ما يراد منها ﴿عالية﴾ أي: مرتفعة في المكان والمكانة والأبنية والدرجات والأشجار وكل اعتبار.


الصفحة التالية
Icon