وقال القرطبي: أي بأن أنذر قومك ﴿من قبل أن يأتيهم﴾ أي: على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة ﴿عذاب أليم﴾ أي: عذاب الآخرة أو الطوفان ﴿قال﴾ أي: نوح عليه السلام ﴿يا قوم﴾ فاستعطفهم بتذكيرهم أنه أحدهم يهمه ما يهمهم ﴿إني لكم نذير﴾ أي: مبالغ في إنذاركم ﴿مبين﴾ أي: أمري بين في نفسه بحيث إنه صار في شدة وضوحه كأنه مظهر لما يتضمنه مناد بذلك للقريب والبعيد والفطن والغبي، ويجوز في قوله تعالى: ﴿أن اعبدوا الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي له جميع الكمال، أن تكون أن تفسيرية لنذير، وأن تكون مصدرية والكلام فيها كما تقدّم في أختها. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة في الوصل بكسر النون والباقون بالضم، والمعنى وحدوا الله ﴿واتقوه﴾ أي: اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية تمنعكم من عذابه بالانتهاء عن كل ما يكرهه فلا تتحركوا حركة ولا تسكنوا سكنة إلا في طاعته، وهذا هو العمل الواقي من كل سوء ﴿وأطيعون﴾ أي: لأعرفكم ما تقصر عنه عقولكم من صفات معبودكم ودينكم ودنياكم ومعادكم، وأدلكم على اجتلاب آداب تهديكم واجتناب شبه ترديكم، ففي طاعتي فلأحكم برضا الملك عنكم. وقوله: ﴿يغفر لكم﴾ جواب الأمر، وفي من في قوله: ﴿من ذنوبكم﴾ أوجه أحدها: أنها تبعيضية، الثاني: أنها لابتداء الغاية، الثالث: أنها مزيدة. قال ابن عطية: وهو مذهب كوفي، وردّ بأنّ مذهبهم ليس ذلك لأنهم يشترطون تنكير مجرورها ولا يشترطون غيره، والأخفش لا يشترط شيئاً، فالقول بزيادتها هنا ماش على قوله لا على قولهم، قاله القرطبيّ، وقيل: لا يصح كونها زائدة لأنّ من لا تزاد في الموجب وإنما هي هنا للتبعيض وهو بعض الذنوب وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين.
(١٣/١٥٣)