﴿والله﴾ أي: المستجمع لجميع الجلال والإكرام ﴿جعل لكم﴾ أي: نعمة عليكم اهتماماً بأمركم ﴿الأرض بساطاً﴾ أي: سهل عليكم التصرّف فيها والتقلب عليها سهولة التصرّف في البساط.
ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿لتسلكوا﴾ أي: متخذين ﴿منها﴾ أي: الأرض مجددين ذلك ﴿سبلاً﴾ أي: طرقاً واضحة مسلوكة بكثرة ﴿فجاجاً﴾ أي: ذوات اتساع لتتوصلوا إلى البلاد الشاسعة براً وبحراً، فيعم الانتفاع بجميع البقاع فالذي قدر على إحداثكم وأقدركم على التصرّف في أصلكم مع ضعفكم قادر على إخراجكم من أجداثكم التي لم تزل طوع أمره ومحل عظمته وقهره.
ولما أكثروا مع نوح عليه السلام الجدال ونسبوه إلى الضلال وقابلوه بأشنع الأقوال والأفعال.
﴿قال نوح﴾ أي: بعد رفقه بهم ولينه لهم: ﴿رب﴾ أي: أيها المحسن إليّ المدبر لي المتولي لجميع أمري ﴿إنهم﴾ أي: قومي الذين دعوتهم إليك مع صبري عليهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ﴿عصوني﴾ أي: فيما أمرتهم به ودعوتهم إليه، فأبوا أن يجيبوا دعوتي وشردوا عني أشدّ شراد، وخالفوني أقبح مخالفة.
(١٣/١٦٢)
﴿واتبعوا﴾ أي: بغاية جهدهم نظراً إلى المظنون العاجل ﴿من﴾ أي: رؤساءهم البطرين بأموالهم المغترين بولدانهم، وفسرهم بقوله تعالى: ﴿لم يزده﴾ أي: شيئاً من الأشياء ﴿ماله﴾ أي: كثرته ﴿وولده﴾ كذلك ﴿إلا خساراً﴾ أي: بالبعد من الله تعالى في الدنيا والآخرة، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح الواوين واللام، والباقون بضم الواو الثانية وإسكان اللام.
﴿ومكروا﴾ أي: هؤلاء الرؤساء في تنفير الناس عني ﴿مكراً﴾ وزاده تأكيداً بصيغة هي النهاية في المبالغة بقوله: ﴿كباراً﴾ فإنه أبلغ من كبار المخفف الأبلغ من كبير، واختلفوا في معنى مكرهم فقال ابن عباس: قالوا قولاً عظيماً. وقال الضحاك: افتروا على الله تعالى وكذبوا رسله. وقيل: منع الرؤساء أتباعهم عن الإيمان بنوح عليه السلام، فلم يدعوا أحداً منهم بذلك المكر يتبعه وحرشوهم على قتله.