(١٣/١٦٧)
الصدور.
﴿وقال نوح﴾ وأسقط الأداة كما هو عادة أهل الحضرة فقال: ﴿رب لا تذر﴾ أي: لا تترك ﴿على الأرض﴾ أي: كلها ﴿من الكافرين﴾ أي: الراسخين في الكفر ﴿دياراً﴾ أي: أحداً يدور فيها وهو من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي فيعال من الدور أو الدار لا فعال وإلا لكان دواراً. قال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأجاب الله تعالى دعوته وأغرق أمّته وهذا كقول النبيّ ﷺ «اللهمّ منزل الكتاب وهازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم». وقيل: سبب دعائه أنّ رجلاً من قومه حمل ولداً صغيراً على كتفه فمرّ بنوح عليه السلام فقال: احذر هذا فإنه يضلك، فقال: يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فحينئذ غضب ودعا عليهم.
فإن قيل: ما فعل صبيانهم حين أغرقوا؟ أجيب: بأنهم أغرقوا معهم لا على وجه العقاب ولكن كما يموتون بالأنواع من أسباب الموت وكم منهم من يموت بالغرق والحرق وكان ذلك زيادة في عذاب الآباء والأمّهات إذا أبصروا أطفالهم يغرقون، ومنه قوله ﷺ «يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى».
(١٣/١٦٨)
وعن الحسن أنه سئل عن ذلك؟ فقال: علم الله تعالى براءتهم فأهلكهم بغير عذاب. وقال محمد بن كعب ومقاتل: إنما قال هذا حين أخرج الله تعالى كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام أمّهاتهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة، وقيل: بسبعين سنة فأخبر الله تعالى نوحاً عليه السلام أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمناً كما قال تعالى: ﴿أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ (هود: ٣٦)
فحينئذ دعا عليهم فأجاب الله تعالى دعاءه فأهلكهم كلهم، ولم يكن فيهم صبيّ وقت العذاب لأنّ الله تعالى قال: ﴿وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم﴾ (الفرقان: ٣٧)


الصفحة التالية
Icon