ولما وصفوه بهذا التعالي الأعظم المستلزم للغنى المطلق والتنزه عن كل شائبة نقص بينوه بنفي ما ينافيه من قولهم إبطالاً للباطل ﴿ما اتخذ صاحبة﴾ أي: زوجة؛ لأن الصاحبة لا بدّ وأن تكون من نوع صاحبها، ومن له نوع فهو مركب تركيباً عقلياً من صفة مشتركة وصفة مميزة ﴿ولا ولداً﴾ لأنّ الولد لا بدّ وأن يكون جزءاً منفصلاً عن والده ومن له أجزاء فهو مركب تركيباً حسياً، ومن المقطوع به أنّ ذلك لا يكون إلا لمحتاج وأن الله تعالى متعال عن ذلك من تركيب حسي أو عقلي. قال القشيري: ويجوز إطلاق لفظ الجدّ في حق الله تعالى إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن، غير أنه لفظ موهم فتجنبه أولى. أي: لأنه قيل إنهم عنوا بذلك الجدّ الذي هو أبو الأب ويكون ذلك من قول الجنّ. قال ابن جعفر الصادق: ليس لله تعالى جدّ وإنما قاله الجنّ للجهالة فلم يؤاخذوا به. وقال القرطبي: معنى الآية ﴿وأنه تعالى جدّ ربنا﴾ أن يتخذ ولداً أو صاحبة للاستئناس بهما أو الحاجة إليهما، والرب تعالى عن ذلك كما تعالى عن الأنداد والنظراء.
﴿وأنه﴾ أي: وقالوا: إنّ الشأن هذا على قراءة الكسر وآمنا بأنه على قراءة الفتح. ﴿كان يقول﴾ أي: قولاً هو في عراقته في الكذب بمنزلة الجبلة ﴿سفيهنا﴾ هو للجنس، فيتناول إبليس رأس الجنس تناولاً أوّلياً وكل من تبعه ممن لم يعرف الله تعالى، لأنّ ثمرة العقل العلم، وثمرة العلم معرفة الله تعالى، فمن لم يعرفه فهو الذي يقول ﴿على الله﴾ الذي له صفات الكمال المنافية لقول هذا السفيه ﴿شططاً﴾ أي: كذباً وعدواناً، وهو وصفه بالشريك والولد.
والشطط والإشطاط الغلوّ في الكفر. وقال أبو مالك: هو الجور. وقال الكلبي: هو الكذب، وأصله: البعد فعبر به عن الجور لبعده عن العدل، وعن الكذب لبعده عن الصدق.
(١٣/١٧٨)


الصفحة التالية
Icon