﴿ويذرون﴾ أي: يتركون على أي وجه كان ولو أنه غير مستحسن ﴿الآخرة﴾ لأنهم يبغضونها لارتكابهم ما يضرّهم فيها وجمع الضمير وإن كان مبنى الخطاب مع الإنسان للمعنى. وقرأ ﴿يحبون﴾ و﴿يذرون﴾ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بياء الغيبة فيهما حملاً على لفظ الإنسان المذكور أوّلاً؛ لأنّ المراد به الجنس، لأنّ الإنسان بمعنى الناس والباقون بتاء الخطاب فيهما إما خطاباً لكفار قريش أي: تحبون يا كفار قريش العاجلة أي: الدار الدنيا والجاه فيها وتتركون الآخرة والعمل لها، وإما التفاتاً عن الإخبار عن الجنس المتقدّم والإقبال عليه بالخطاب.
ولما ذكر تعالى الآخرة التي أعرضوا عنها ذكر ما يكون فيها بياناً لجهلهم وسفههم وقلة عقولهم وترهيباً لمن أدبر عنها وترغيباً لمن أقبل عليها لطفاً بهم ورحمة لهم فقال تعالى: ﴿وجوه﴾ أي: من المحشورين وهم جميع الخلائق ﴿يومئذ﴾ أي: إذ تقوم الساعة ﴿ناضرة﴾ من النضرة بالضاد وهي النعمة والرفاهية أي: هي بهية مشرقة عليها أثر النعمة بحيث يدل ذلك على نعمة أصحابها.
﴿إلى ربها﴾ أي: المحسن إليها خاصة باعتبار أن عد النظر إلى غيره كلا نظر ﴿ناظرة﴾ أي: دائماً هم محدقون أبصارهم لا غفلة لهم عن ذلك، فإذا رفع الحجاب عنهم أبصروه بأعينهم بدليل التعدّي بإلى، وذلك النظر جهرة من غير اكتتام ولا تضامّ ولا زحام كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وأكثر المفسرين، وجميع أهل السنة، وروي عن النبيّ عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة من وجوه كثيرة بحيث اشتهر غاية الشهرة، وتكون الرؤية كما مثلت في الأحاديث كما يرى القمر ليلة البدر أي: كل من يريد رؤيته من بيته يراه مجلياً له، هذا وجه الشبه، لا أنه في جهة ولا في حالة لها شبيه تعالى الله الكريم عن التشبيه.
(١٣/٢٦٨)