فمن تلك الأحاديث ما روي عن جرير بن عبد الله قال: «خرج علينا رسول الله ﷺ فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال ﷺ إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ ﴿وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها﴾» (طه: ١٣٠)
وفي كتاب النسائي عن وهب قال: «ينكشف الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم شيئاً أحبّ إليهم من النظر ولا أقر لأعينهم».
وعن جابر قال: «قال رسول الله ﷺ يتجلى ربنا عز وجل حتى ننظر إلى وجهه فيخرون له سجداً فيقول تعالى: ارفعوا رؤوسكم، فليس هذا يوم عبادة».
وقدم الجارّ الدال على الاختصاص إشارة إلى أنّ هذا النظر مباين للنظر إلى غيره، فلا يعد ذلك نظراً بالنسبة إليه وعبر بالوجوه عن أصحابها؛ لأنها أدل ما يكون على السرور، وليكون ذكرها أصرح في أنّ المراد بالنظر حقيقته.
روى مسلم في قوله تعالى: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ (يونس: ٢٦)
كان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم تلا هذه الآية.
وأنكر الرؤية المعتزلة، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار﴾ (الأنعام: ١٠٣)
ويقولون: النظر المقرون بإلى ليس اسماً للرؤية بل لمقدّمة الرؤية وهي تقليب الحدقة نحو المرئيّ التماساً لرؤيته ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة وكالإصغاء بالنسبة إلى السمع، ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ (الأعراف: ١٩٨)
فأثبت النظر حال عدم الرؤية، فتكون الرؤية غاية النظر وأنّ النظر يحصل والرؤية غير حاصلة. قالوا: ويمكن أن يكون معنى قوله تعالى: ﴿ناظرة﴾ منتظرة كقولك أنا أنظر إليك في حاجتي.
(١٣/٢٦٩)


الصفحة التالية
Icon