وأجيب عن استدلالهم بقوله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار﴾ بأن لا تدركه بالإحاطة والجهة فلا يكون ذلك مانعاً للرؤية على هذا الوجه وعن بقية استدلالهم بما ذكروه بجوابين:
أحدهما: أن نقول: النظر هو الرؤية لقول موسى عليه السلام ﴿أرني أنظر إليك﴾ (الأعراف: ١٤٣)
فلو كان المراد تقليب الحدقة نحو المرئي لاقتضت الآية إثبات الجهة والمكان، ولأنه أخر النظر عن الإراءة فلا يكون تقليب الحدقة.
الجواب الثاني: سلمنا ما ذكرتموه من أنّ النظر تقليب الحدقة تعذر حمله على الحقيقة فيجب حمله على الرؤية إطلاقاً لاسم السبب على المسبب وهو أولى من حمله على الانتظار لعدم الملازمة؛ لأن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية، ولا تعلق بينه وبين الانتظار.
وأمّا قولهم بحمله على الانتظار فأجيب عنه أيضاً بأن الذي هو بمعنى الانتظار في القرآن غير مقرون بإلى، كقوله تعالى: ﴿انظرونا نقتبس من نوركم هل ينظرون إلا أن﴾ (الحديد: ١٣)
والذي ندعيه أن النظر المقرون بإلى ليس إلا بمعنى الرؤية؛ لأنّ وروده بمعنى الرؤية ظاهرة فلا يكون بمعنى الانتظار دفعاً للاشتراك.
ولما ذكر تعالى أهل النعمة أتبعه أضدادهم من أهل النقمة فقال سبحانه وتعالى:
﴿ووجوه يومئذ﴾ أي: في ذلك اليوم بعينه ﴿باسرة﴾ أي: شديدة العبوس والكلوح والتكره لما هي فيه من الغم كأنها قد غرقت فيه. وقال السدي: ﴿باسرة﴾ متغيرة.
(١٣/٢٧٠)
﴿تظن﴾ أي: يتوقع أربابها بما ترى من المخايل ﴿أن يفعل بها﴾ أي: بهم فإنه إذا أصيب الوجه الذي هو أشرف ما في الجملة كان ما عداه أولى ﴿فاقرة﴾ وهي الداهية العظيمة، قال أبو عبيدة: سميت بذلك لأنها تكسر فقار الظهر يقال: فقرته الفاقرة أي: كسرت فقار ظهره ومنه سمي الفقير لانكسار فقاره من القل. وقال قتادة: الفاقرة الشر، وقال السدي: الهلاك. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: دخول النار. وقال الكلبي: هي أن تحجب عن رؤية الربّ عز وجل.