وقوله تعالى: ﴿كلا﴾ ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري، وزاد الزمخشري كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا إلى ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنقلبون إلى الآجلة التي تبقوا فيها مخلدين ﴿إذا بلغت﴾ النفس ﴿التراقي﴾ وأضمر النفس وإن لم يجر لها ذكر؛ لأنّ الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها كما قال حاتم:

*أماويّ ما يغني الثراء عن الفنى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر*
وتقول العرب: أرسلت، يريدون جاء المطر، ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء. والتراقي: جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال، ولكل إنسان ترقوتان. قال البقاعي: ولعله جمع المثنى إشارة إلى شدة انتشارها بغاية الجهد لما فيه من الكرب لاجتماعها من أقاصي البدن إلى هناك ا. ه. وهذا كناية عن الإشفاء على الموت ذكرهم صعوبة الموت وهو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها.
﴿وقيل﴾ أي: قال حاضر وصاحبها وهو المحتضر بعضهم لبعض ﴿من راق﴾ أي: أيكم يرقيه مما به ليحصل له الشفاء. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هو من كلام ملائكة الموت، أي: أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، فالأول اسم فاعل من رقى يرقى بمعنى الرقية بالفتح في الماضي والكسر في المضارع. والثاني: الذي بمعنى الصعود بالكسر في الماضي والفتح في المضارع.
(١٣/٢٧١)


الصفحة التالية
Icon