﴿وظن﴾ أي: أيقن المحتضر لما لاح له من أنوار الآخرة، وقيل: القائل من راق من أهله ﴿أنه﴾ أي: الشأن العظيم الذي هو فيه ﴿الفراق﴾ لما كان أي: فيه من محبوب العاجلة الذي هو الفراق الأعظم الذي لا فراق مثله، ففي الخبر إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول: السلام عليك تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة، وسمي اليقين هنا بالظن لأنّ الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه، فإنه يطمع في الحياة لشدّة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها، أو أنّ المراد الظن الغالب إذ لا يحصل يقين الموت مع رجاء الحياة. وقيل: سماه بالظن تهكماً قال الرازي: وهذه الآية تدل على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت البدن لأنه تعالى سمى الموت فراقاً، والفراق إنما يكون إذا كانت الروح باقية، فإنّ الفراق والوصال صفة والصفة تستدعي وجود الموصوف.
﴿والتفت الساق بالساق﴾ أي: اجتمعت إحداهما بالأخرى إذ الالتفاف الاجتماع، قال تعالى: ﴿جئنا بكم لفيفاً﴾ (الإسراء: ١٠٤)
ومعنى الكلام اتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن وغيرهما. وقال الشعبي: التفت ساق الإنسان عند الموت من شدة الكرب. قال قتادة: أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب برجله على الأخرى، وقال سعيد بن المسيب: هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن. وقال زيد بن أسلم: التفت ساق الكفن بساق الميت. وقال الضحاك: الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. وقال السدي: لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه، وأول الأقوال كما قال النحاس: أحسنها، والعرب لا تذكر الساق إلا في الشدائد والمحن العظام، ومنه قولهم قامت الحرب على ساق، قال أهل المعاني: لأنّ الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه، فقيل للأمر الشديد: ساق. قال الجعدي:

*أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا*
(١٣/٢٧٢)


الصفحة التالية
Icon