ولما صور وقت تأسفه على الدنيا وإعراضه عنها ذكر غاية ذلك، فقال تعالى مفرداً النبيّ ﷺ بالخطاب إشارة إلى أنه لا يفهم هذا حق فهمه غيره ﴿إلى ربك﴾ أي: المحسن إليك بجميع ما أنت فيه ﴿يومئذ﴾ أي: إذ وقع هذا الأمر ﴿المساق﴾ أي: السوق إلى حكمه تعالى فقد انقطعت عنه أحكام الدنيا فإما أن تسوقه الملائكة إلى سعادة وإمّا إلى شقاوة.
والضمير في قوله تعالى: ﴿فلا صدّق﴾ راجع للإنسان المذكور في ﴿أيحسب الإنسان﴾ أي: فلا صدّق النبيّ ﷺ فيما أخبره به بما كان يعمل من الأعمال الخبيثة ولا في ماله بالإنفاق في وجوه الخير التي ندب إليها واجبة كانت أو مندوبة. وحذف المعمول لأنه أبلغ في التعميم.
﴿ولا صلى﴾ أي: ما أمر به من فرض وغيره فلا تمسك بحبل الخالق ولا وصل حبل الخلائق، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لم يصدق بالرسالة ولا صلى، أي: دعا لربه عز وجلّ وصلى على رسوله ﷺ وقال قتادة: فلا صدق بكتاب الله تعالى ولا صلى لله جل ذكره.
﴿ولكن﴾ أي: فعل ضد ما أمر به بأن ﴿كذب﴾ أي: بما أتاه به النبيّ ﷺ من قرآن وغيره ﴿وتولى﴾ أي: أعرض عنه وهذا الاستدراك واضح إذ لا يلزم من نفي التصديق والصلاة التكذيب والتولي. وقال القرطبي: معناه: كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان. وقيل: نزلت في أبي جهل.
﴿ثم ذهب﴾ أي: هذا الإنسان أو أبو جهل ﴿إلى أهله﴾ غير متفكر في عاقبة ما فعل من التكذيب حالة كونه ﴿يتمطى﴾ أي: يتبختر افتخاراً بتكذيبه وإعراضه وعدم مبالاته بذلك وأصله يتمطط أي: يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه، وإنما أبدلت الطاء الثانية ياء كراهة اجتماع الأمثال، وقيل: هو من المطا وهو الظهر لأنه يلويه تبختراً في مشيته.
وقوله تعالى: ﴿أولى لك﴾ فيه التفات من الغيبة والكلمة اسم فعل واللام للتبيين أي: وليك ما تكره ﴿فأولى﴾ أي: فهو أولى بك من غيرك.
(١٣/٢٧٣)


الصفحة التالية
Icon