وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: يختلط ماء الرجل وهو أبيض غليظ بماء المرأة وهو أصفر رقيق فيخلق منهما الولد فما كان من عصب وعظم وقوّة فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة، قال القرطبيّ: وقد روي هذا مرفوعاً ذكره البزار وعن قتادة: أمشاج ألوان وأطوار، يريد أنها تكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلقاً آخر. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: هي عروق النطفة. وقال مجاهد: نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وصفراء، والغرض من هذا التنبيه على أنّ الإنسان محدَث فلا بد له من محدث قادر على تصويره وقد صوّره على صور مختلفة فمنها صغير وكبير وطويل وقصير ومستدير وعريض.
ولما كان الإنسان محتاجاً إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه جعل بين العظام مفاصل ثم أوصلها بأوتار وعروق ولحم، ودوّر الرأس وشق في جانبيه السمع، وفي مقدمه البصر والأنف والفم، وشق في البدن سائر المنافذ، ثم مد اليدين والرجلين وقسم رؤوسها بالأصابع وركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة، فسبحان من خلق تلك الأشياء من نطفة سخيفة ﴿أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى﴾ (القيامة: ٤٠)
وقوله تعالى: ﴿نبتليه﴾ يجوز فيه وجهان: أحدهما: أنه حال من فاعل خلقنا أي: خلقناه حال كوننا مبتلين له، والثاني: أنه حال من الإنسان وصح ذلك لأنّ في الجملة ضميرين كل منهما يعود على ذي الحال، ثم هذه الحال يجوز أن تكون مقارنة إن كان المعنى: نبتليه نصرّفه في بطن أمّه نطفة ثم علقة، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأن تكون مقدرة إن كان المعنى: نبتليه نختبره بالتكليف لأنه وقت خلقه غير مكلف، وفيما يختبره به وجهان: أحدهما: قال الكلبي: تختبره بالخير والشرّ. والثاني: قال الحسن: نختبر شكره في السرّاء وصبره في الضرّاء. وقيل: نبتليه نكلفه بالعمل بعد الخلق. قال مقاتل رضي الله عنه: وقيل: نكلفه ليكون مأموراً بالطاعة ومنهياً عن المعاصي.
(١٣/٢٨٠)


الصفحة التالية
Icon