﴿فجعلناه﴾ أي: بما لنا من العظمة بسبب ذلك ﴿سميعاً بصيراً﴾ أي: عظيم السمع والبصر والبصيرة ليتمكن من مشاهدة الدلائل ببصره وسماع الآيات بسمعه ومعرفة الحجج ببصيرته، فيصح تكليفه وابتلاؤه فقدّم العلة الغائية لأنها متقدّمة في الاستحضار على التابع لها المصحح لورودها، وقدّم السمع لأنه أنفع في المخاطبات، ولأنّ الآيات المسموعة أبين من الآيات المرئية، وخصهما بالذكر لأنهما أنفع الحواس، ولأنّ البصر يفهم البصيرة وهي تتضمن الجميع، وقال بعضهم: في الكلام تقديم وتأخير، والأصل إنا جعلناه سميعاً بصيراً نبتليه، أي: جعلنا له ذلك للابتلاء. وقيل: المراد بالسميع المطيع كقولك سمعاً وطاعة وبالبصير العالم يقال: لفلان بصر في هذا الأمر.
﴿إنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿هديناه السبيل﴾ أي: بينا له وعرّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشرّ ببعثة الرسل، وقال مجاهد رضي الله عنه: بينا له السبيل إلى السعادة والشقاوة. وقال السدّي رضي الله عنه: السبيل هنا خروجه من الرحم. وقيل: منافعه ومضارّه التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله. قال الرازي: والآية تدل على أنّ العقل متأخر عن الحواس. قال: وهو كذلك.
وقوله تعالى: ﴿إمّا شاكراً﴾ أي: لإنعام ربه عليه ﴿وإمّا كفوراً﴾ أي: بليغ الكفر بالإعراض والتكذيب نصب على الحال وفيه وجهان: أحدهما: أنه حال من مفعول هديناه أي: هديناه مبيناً له كلتا حالتيه، والثاني: أنه حال من السبيل على المجاز. قال الزمخشري: ويجوز أن يكونا حالين من السبيل أي: عرّفناه السبيل إمّا سبيلاً شاكراً وإمّا سبيلاً كفوراً كقوله تعالى: ﴿وهديناه النجدين﴾ (البلد: ١٠)
(١٣/٢٨١)


الصفحة التالية
Icon