ولما دل وفاؤهم على سلامة طباعهم قال تعالى عاطفاً دلالة على جمعهم للأمرين المتعاطفين، فهم يفعلون الوفاء لا لأجل شيءٍ بل لكرم الطبع. ﴿ويخافون﴾ أي: مع فعلهم للواجبات ﴿يوماً﴾ قال ابن عبد السلام: شرّ يوم أو أهوال يوم ﴿كان﴾ أي: كوناً هو في جبلته ﴿شرّه﴾ أي: ما فيه من الشدائد ﴿مستطيراً﴾ أي: فاشياً منتشراً غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر وهو أبلغ من طار. وقال قتادة رضي الله عنه: كان شرّه فاشياً في السموات فانشقت وتناثرت الكواكب وكوّرت الشمس والقمر وفزعت الملائكة ونسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء، وفي ذلك إشعار بحسن عقيدتهم وإحسانهم واجتنابهم عن المعاصي فإن الخوف أدل دليل على عمارة الباطن، قالوا: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب، ومن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل.
فإن قيل: لم قال تعالى: ﴿كان شرّه﴾ ولم يقل سيكون؟ أجيب: بأنه كقوله تعالى: ﴿أتى أمر الله﴾ (النحل: ١)
فبما قيل في ذاك يقال هنا.
﴿ويطعمون الطعام﴾ أي: على حسب ما يتيسر لهم من عال ودون، وقوله تعالى: ﴿على حبه﴾ حال إما من الطعام أي: كائنين على حبهم إياه فهو في غاية المكنة منهم والاستعلاء على قلوبهم لقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه، كما قال تعالى: ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾ (آل عمران: ٩٢)
(١٣/٢٨٧)
ليفهم أنهم للفضل أشدّ بذلاً، ولهذا قال ﷺ في حق الصحابة رضي الله عنهم: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» لقلة الموجود إذ ذاك وكثرته بعد، وإما من الفاعل والضمير في حبه لله أي: على حب الله وعلى التقديرين فهو مصدر مضاف للمفعول. وقال الفضيل بن عياض: على حب إطعام الطعام.


الصفحة التالية
Icon