ثم أتبعه تهويلاً ثالثاً بقوله تعالى: ﴿ويل يومئذ﴾ أي: إذ يكون يوم الفصل ﴿للمكذبين﴾ أي: بذلك، قال القرطبي: ويل عذاب وخزي لمن كذب بالله تعالى وبرسله وكتبه وبيوم الفصل، وهو وعيد وكرّره في هذه السورة عند كل آية كأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإنّ لكل مكذب بشيء عذاباً سوى عذاب تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرماً من تكذيبه لغيره؛ لأنه أقبح في تعظيمه وأعظم في الردّ على الله تعالى، وإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك وعلى قدر وفاقه، وهو قوله تعالى: ﴿جزاء وفاقاً﴾ (النبأ: ٢٦)
. وقيل: كرره لمعنى تكرار التخويف والوعيد، وروي عن النعمان بن بشير قال: ويل واد في جهنم فيه ألوان العذاب، وقاله ابن عباس وغيره، وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «عرضت عليّ جهنم فلم أر فيها وادياً أعظم من الويل»، وروي أيضاً أنه مجمع ما يسيل من قيح أهل النار وصديدهم، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض، وقد علم العباد في الدنيا أنّ شرّ المواضع ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسالات والجيف وماء الحمامات، فذكر أنّ الوادي مستنقع صديد أهل الكفر والشرك ليعلم العاقل أنه لا شيء أقذر منه قذارة ولا أنتن منه نتناً.
تنبيه: ويل مبتدأ، وسوّغ الابتداء به الدعاء، ويومئذ ظرف للويل وللمكذبين خبره. وقال الزمخشري: فإن قلت كيف وقع النكرة مبتدأ؟ قلت: هو في أصله مصدر منصوب ساد مسدّ فعله لكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ونحوه ﴿سلام عليكم﴾ (الرعد: ٢٤)
واعترض بأنّ الذي ذكره ليس من المسوّغات التي ذكرها النحويون، وإنما المسوغ كونه دعاء وفائدة العدول إلى الرفع ما ذكره.
(١٣/٣١٢)