وقوله تعالى: ﴿ثم كلا سيعلمون﴾ تأكيد وجيء فيه بثم للإيذان بأن الوعيد الثاني أشدّ من الأول. وقال الضحاك: الأولى للكفار والثانية للمؤمنين، أي: سيعلم الكافرون عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم.
ثم أومأ تعالى إلى القدرة على البعث بقوله تعالى: ﴿ألم نجعل﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿الأرض مهاداً﴾ أي: فراشاً كالمهد للصبيّ وهو ما يمهد له فينوّم عليه تسمية للممهود بالمصدر كضرب الأمير.
﴿والجبال﴾ أي: التي تعرفون شدّتها وعظمها. ﴿أوتاداً﴾ أي: تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد، والاستفهام للتقرير، فيستدل بذلك على قدرته على جميع الممكنات. وإذا ثبت ذلك ثبت القول بصحة البعث، وإنه قادر على تخريب الدنيا بسماواتها وكواكبها وأرضها وعلى إيجاد عالم الآخرة.
تنبيه: مهاداً مفعول ثان لأنّ الجعل بمعنى التصيير، ويجوز أن يكون بمعنى الخلق فتكون حالاً مقدّرة.
﴿وخلقناكم﴾ أي: بما دل على ذلك من مظاهر العظمة ﴿أزواجاً﴾ أي: أصنافاً ذكوراً وإناثاً وقيل: ألواناً.
﴿وجعلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿نومكم سباتاً﴾ أي: راحة لأبدانكم. قال الزجاج: السبات أن ينقطع عن الحركة والروح فيه. وقيل: معناه جلعنا نومكم قطعاً لأعمالكم وقيل: المسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة والنوم أحد التوفيتين.
وقوله تعالى: ﴿وجعلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿الليل﴾ أي: بعد ذهاب الضياء حتى كأنه لم يكن ﴿لباساً﴾ فيه استعارة أي: يستركم عن العيون بظلمته كما إذا أردتم هرباً من عدوّ أو بياتاً له أو إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور. قال الشاعر:
*وكم لظلام الليل عندي من يد | تخبر أنّ المانوية تكذب* |