وقوله تعالى: ﴿أحقاباً﴾ جمع حقب والحقب الواحد ثمانون سنة، كل سنة اثنا عشر شهراً كل شهر ثلاثون يوماً كل يوم ألف سنة، روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال مجاهد: الأحقاب ثلاثة وأربعون حقباً. وقال الحسن: إنّ الله تعالى لم يجعل لأهل النار مدّة بل قال: ﴿لابثين فيها أحقاباً﴾ فوالله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر إلى الأبد، فليس للأحقاب عدّة إلا الخلود، روي عن عبد الله أنه قال: لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا و لو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا. وقال مقاتل بن حبان: الحقب الواحد سبعة عشر ألف سنة. قال: وهذه الآية منسوخة نسختها ﴿فلن نزيدكم إلا عذاباً﴾ يعني: أنّ العدد قد ارتفع والخلود قد دخل وعلى تقدير عدم النسخ فهو من قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على خلود الكفار، ويجوز أن يراد ﴿لابثين فيها أحقاباً﴾.
﴿لا يذقون﴾ أي: غير ذائقين ﴿فيها﴾ أي: النار ﴿برداً ولا شراباً﴾ ﴿إلا حميماً وغساقاً﴾ ثم يبدّلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب، ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان إذا أخطأ الرزق فهو حقب وجمعه أحقاب فيتنصب حالاً عنهم يعني: لابثين فيها حقبين جهدين، وقوله تعالى: ﴿لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً﴾ تفسير له والاستثناء منقطع يعني: لا يذوقون فيها برداً. قال عطاء والحسن: أي: راحة وروحاً، أي: ينفس عنهم حرّ النار ولا شراباً يسكن من عطشهم ولكن يذوقون فيها حميماً أي: ماء حارًّا غاية الحرارة وغساقاً وهو ما يسيل من صديد أهل النار فإنهم يذوقونه وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ البرد النوم ومثله، قال الكسائي وأبو عبيدة: تقول العرب منع البرد البرد أي: أذهب البرد النوم، قال الشاعر:

*فلو شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا بردا*
(١٣/٣٣٠)


الصفحة التالية
Icon