وقرأ حمزة والكسائيّ وجعفر بتشديد السين والباقون بتخفيفها. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الغساق الزمهرير يحرقهم ببرده.
جوزوا بذلك ﴿جزاء وفاقاً﴾ أي: موافقاً لعملهم قال مقاتل: وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الكفر ولا عذاب أعظم من النار.
وقوله تعالى: ﴿إنهم كانوا لا يرجون حساباً﴾ بيان لما وافقه هذا الجزاء أي: لا يخافون أن يحاسبوا. والمعنى: أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا أنهم يحاسبون.
﴿وكذبوا بآياتنا﴾ أي: بما جاءت به الأنبياء عليهم السلام، وقيل: القرآن وقرأ ﴿كذاباً﴾ غير الكسائيّ بالتشديد أي: تكذيباً، قال الفراء: وهي لغة يمانية فصيحة يقولون في مصدر التفعيل فعال. وقال الزمخشري: وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره، وسمعني بعضهم أفسر آية فقال: لقد فسرتها فساراً ما سمع بمثله. وقرأ الكسائيّ بالتخفيف مصدر كذب بدليل قول الشاعر:
*فصدقته وكذبته... والمرء ينفعه كذابه*
قال الزمخشري: وهو مثل قوله: ﴿أنبتكم من الأرض نباتاً﴾ (نوح: ١٧)
يعني: وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً، أو تنصبه بكذبوا لأنه يتضمن معنى كذبوا؛ لأنه كل مكذب بالحق كاذب، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة، أو كذبوا بها مكاذبين لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة، أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر فبلغ فيه أقصى جهده.
﴿وكل شيء﴾ أي: من الأعمال وغيرها ﴿أحصيناه﴾ أي: ضبطناه، وقوله تعالى: ﴿كتاباً﴾ فيه وجهان أحدهما: أنه مصدر في موضع إحصاء والإحصاء والكتب يتشاركان في معنى الضبط، ثانيهما: أن يكون حالاً بمعنى مكتوباً في اللوح المحفوظ كقوله تعالى: ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾ (يس: ١٢)
(١٣/٣٣١)