﴿أأنتم﴾ أي: أيها الأحياء مع كونكم خلقاً ضعيفاً ﴿أشدّ خلقاً﴾ أي: أخلقكم بعد الموت أشدّ في تقديركم ﴿أم السماء﴾ أي: فمن قدر على خلق السماء على عظمها من السعة والكبر والعلوّ والمنافع قدر على الإعادة، وهذا كقوله تعالى: ﴿لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس﴾ (غافر: ٥٧)، والمقصود من الآية الاستدلال على منكري البعث، ونظيره قوله تعالى: ﴿أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم﴾ (يس: ٨١)
ومعنى الكلام التقريع والتوبيخ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، والباقون بتحقيقهما، وأدخل بينهما ألفاً قالون وأبو عمرو وهشام، والباقون بغير إدخال.﴿{
(١٣/٣٤٨)
وقوله تعالى: {بناها﴾
بيان لكيفية خلقه إياها فالوقف على السماء والابتداء بما بعدها وقوله تعالى: ﴿رفع سمكها﴾ جملة مفسرة لكيفية البناء، والسمك الارتفاع أي: جعل مقدارها في سمت العلوّ مديداً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام ﴿فسوّاها﴾ أي: فعدلها مستوية ملساء ليس فيها تفاوت ولا فطور، أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها من قولك: سوّى فلان أمر فلان.
﴿وأغطش﴾ أي: أظلم ﴿ليلها﴾ أي: جعله مظلماً بغياب شمسها فأخفى ضياءها بامتداد ظل الأرض على كل ما كانت الشمس ظهرت عليه، فصار لا يهتدي معه إلى ما كان في حال الضياء، وأضاف الليل إلى السماء لأنّ الليل يكون بغروب الشمس والشمس تضاف إلى السماء. ويقال: نجوم الليل، لأنّ ظهورها بالليل.
وقوله تعالى: ﴿وأخرج ضحاها﴾ فيه حذف، أي: ضحى شمسها، أو أضاف الليل والضحى لها للملابسة التي بينها وبينهما لأنّ الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوّها، وإنما عبر عن النهار بالضحى؛ لأنّ الضحى أكمل أجزاء النهار بالنور والضوء.


الصفحة التالية
Icon