﴿وما يدريك﴾ أي: أيّ شيء يجعلك دارياً بحاله ﴿لعله﴾ أي: الأعمى ﴿يزكى﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي، أي: يتطهر من الذنوب بما يسمع منك وفي ذلك إيماء بأنّ إعراضه كان لتزكية غيره.
﴿أو يذكر﴾ فيه إدغام التاء في الذال أي: يتعظ وتسبب عن تزكيته وتذكره قوله تعالى: ﴿فتنفعه الذكرى﴾ أي: العظمة المسموعة منك، وقرأ عاصم بنصب العين والباقون برفعها، فمن رفع فهو نسق على قوله تعالى: ﴿أو يذكر﴾ ومن نصب فعلى جواب الترجي كقوله تعالى في غافر: ﴿فأطلع إلى إله موسى﴾ (غافر: ٣٧)
. وقال ابن عطية في جواب التمني لأن قوله تعالى: ﴿أو يذكر﴾ في حكم قوله تعالى: ﴿لعله يزكى﴾.
واعترض عليه أبو حيان: بأنّ هذا ليس تمنياً وإنما هو ترجٍ. وأجيب عنه: بأنه إنما يريد التمني المفهوم وقت الذكرى.
وقرأ الذكرى أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش بين اللفظين، والباقون بالفتح وقيل: الضمير في لعله للكافر يعني: أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر فتقرّبه الذكرى إلى قبول الحق وما يدريك أنّ ما طمعت فيه كائن.
﴿أما من استغنى﴾ أي: بالمال، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: استغنى عن الله وعن الإيمان بما له من المال.
﴿فأنت له﴾ أي: دون الأعمى ﴿تصدّى﴾ أي: تتعرّض له بالإقبال عليه والمصادّة المعارضة وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الصاد بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها والباقون بالتخفيف.
﴿وما﴾ أي: فعلت ذلك والحال أنه ما ﴿عليك﴾ أي: وليس عليك بأس ﴿ألا يزكى﴾ أي: في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم إن عليك إلا البلاغ.
﴿وأما من جاءك﴾ حال كونه ﴿يسعى﴾ أي: يسرع في طلب الخير وهو ابن أمّ مكتوم ﴿وهو﴾ أي: والحال أنه ﴿يخشى﴾ أي: الله أو الكفار في أذاهم على الإتيان إليك. وقيل: جاء وليس معه قائد فهو يخشى الكبوة، وقرأ قالون وأبو عمرو والسدّي بسكون الهاء والباقون بضمها.
(١٣/٣٥٦)


الصفحة التالية
Icon