﴿فأنت عنه تلهى﴾ فيه حذف التاء الآخرة في الأصل، أي: تتشاغل، وقرأ ﴿وتولى﴾، ﴿الأعمى﴾، ﴿يزكى﴾، ﴿من استغنى﴾، ﴿تصدّى﴾، ﴿يزكى﴾، ﴿يسعى﴾، ﴿يخشى﴾، ﴿تلهى﴾ حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش وأبو عمرو بين بين، والفتح عن ورش قليل والباقون بالفتح.
وقوله تعالى: ﴿كلا﴾ ردع من العاتب عليه وعن معاودة مثله. فإن قيل: ما فعله ابن أمّ مكتوم كان يستحق عليه التأديب والزجر، فكيف عاتب الله تعالى رسوله ﷺ على تأديبه، لأنه وإن كان أعمى فقد سمع مخاطبته ﷺ لأولئك الكفار، وكان بسماعه يعرف شدّة اهتمام النبيّ ﷺ بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلامه ﷺ لغرض نفسه قبل تمام كلام النبيّ ﷺ معصية عظيمة، وأيضاً فإنّ الأهمّ يقدّم على المهمّ، وكان قد أسلم وتعلم ما يحتاج من أمر الدين، وأما أولئك الكفار فلم يكونوا أسلموا، وكان إسلامهم سبباً لإسلام غيرهم، فكان كلام ابن أمّ مكتوم كالسبب في قطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل، وذلك يحرم أيضاً. فإنّ الله تعالى ذمّ الذين ينادونه من وراء الحجرات بمجرّد ندائهم، فهذا النداء الذي هو كالصارف للكفار عن الإيمان أولى أن يكون ذنباً، وأيضاً فمع هذا الاعتناء كيف لقب بالأعمى، وأيضاً فالنبيّ ﷺ له أن يؤدّب أصحابه بما يراه مصلحة، والتعبيس من ذلك القبيل؟
أجيب: بأنّ ما فعله ابن أمّ مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالماً بأنّ النبيّ ﷺ مشغولاً بغيره وأنه يرجو إسلامهم، ولكنه لم يعلم بذلك. وأيضاً الله سبحانه وتعالى إنما عاتبه على ذلك حتى لا تنكسر قلوب الضعفاء، أو ليعلم أنّ المؤمن الفقير خير من الغنيّ الكافر.
(١٣/٣٥٧)


الصفحة التالية
Icon