وقال ابن زيد: إنما عبس النبيّ ﷺ لابن أمّ مكتوم وأعرض عنه لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه فدفعه ابن أمّ مكتوم وأبى إلا أن يتكلم مع النبيّ ﷺ فكان في هذا نوع جفاء منه، ومع هذا نزل في حقه ذلك، وأما ذكره بلفظ الأعمى فليس للتحقير بل كان بسبب عماه يستحق أن يزيده تعطفاً وترؤفاً وتقريباً وترحيباً، ولقد تأدب الناس بأدب الله تعالى في هذا تأدباً حسناً، فقد روي عن سفيان الثوري رضي الله عنه: أنّ الفقراء كانوا بمجلسه أمراء، وأما كونه ﷺ كان مأذوناً له في تأديب أصحابه فلأنّ تقديمهم ربما يوهم ترجيح تقديم الأغنياء على الفقراء فلهذا السبب عوتب.
قال الحسن رضي الله عنه: لما تلا جبريل عليه السلام على النبيّ ﷺ هذه الآيات عاد وجهه كأنما نسف فيه الرماد ينتظر ما يحكم الله تعالى عليه فلما قال: ﴿كلا﴾ سرّي عنه أي: لا تفعل مثل ذلك، وقد بينا نحن أنّ ذلك محمول على ترك الأولى. ثم قال الله تعالى: ﴿إنها﴾ أي: هذه السورة. وقال مقاتل رضي الله عنه: آيات القرآن. وقيل: القرآن، وأنثه لتأنيث خبره وهو قوله تعالى: ﴿تذكرة﴾ أي: عظة للخلق يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها.
﴿فمن شاء ذكره﴾ أي: كان حافظاً له غير ناس، وذكر الضمير لأنّ التذكرة في معنى الذكر والوعظ.
ثم إنّ الله تعالى أخبر عن جلالة ذلك عنده فقال سبحانه ﴿في صحف﴾ أي: منتسخة من اللوح المحفوظ، وقيل: هي كتب الأنبياء عليهم السلام، دليله قوله تعالى: ﴿إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى﴾ (الأعلى، الآيتان: ١٨ ـ ١٩)
. ﴿مكرمة﴾ أي: عند الله تعالى.
﴿مرفوعة﴾ أي: في السماء السابعة أو مرفوعة المقدار ﴿مطهرة﴾ أي: منزهة عن أيدي الشياطين لا يمسها إلا أيدي ملائكة كرام مطهرين.
(١٣/٣٥٨)


الصفحة التالية
Icon