كما قال تعالى: ﴿بأيدي سفرة﴾ أي: كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ وهم الملائكة الكرام الكاتبون واحدهم سافر يقال: سفرت، أي: كتبت، ومنه قيل للكتاب: سفر وجمعه أسفار. وقيل: هم الرسل من الملائكة واحدهم سفير وهو الرسول، وسفير القوم هو الذي يسعى بينهم بالصلح، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم.
ثم أثنى تعالى عليهم بقوله سبحانه: ﴿كرام﴾ أي: على الله تعالى وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في كرام قال: مكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إلا إذا خلا بزوجته أو برز لغائط وقيل: يؤثرون منافع غيرهم على منافع أنفسهم. وقوله: ﴿بررة﴾ جمع بارّ كساحر وسحرة وفاجر وفجرة، والبارّ هو الصادق المطيع. ومنه برّ فلان في يمينه أي: صدق، وفلان يبر خالقه أي: يطيعه. فمعنى بررة مطيعين صادقين لله تعالى في أعمالهم.
ولما ذكر تعالى ترفع صناديد قريش على فقراء المسلمين عجب عباده المؤمنين من ذلك فقال سبحانه.
﴿قتل الإنسان﴾ أي: لعن الكافر، وقوله تعالى: ﴿ما أكفره﴾ استفهام توبيخ، أي: ما أشدّ تغطيته للحق وجحده له وعناده فيه لإنكاره البعث وإشراكه بربه وغير ذلك مما حمله على الكفر.
وقوله تعالى: ﴿من أي شيء خلقه﴾ استفهام تقرير.﴿{
(١٣/٣٥٩)
ثم بينه بقوله تعالى: {من نطفة﴾
أي: ماء يسير جدّاً لا من غيره. ﴿خلقه﴾ أي: أوجده مقدّراً على ما هو عليه من التخطيط ﴿فقدّره﴾ أي: علقة ثم مضغة إلى آخر خلقه فكأنه قيل: وأي سبب في هذا الترفع مع أنّ أوّله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة، وهو فيما بين الوقتين حامل عذرة، فإنّ خلقة الإنسان تصلح أن يستدل بها على وجود الصانع؛ لأنه يستدل بها على أحوال البعث والحشر. قيل: نزلت في عتبة بن أبي لهب والظاهر العموم.


الصفحة التالية
Icon