قال الله تعالى يردّ عليهم أبلغ ردّ: ﴿ألا إنهم هم المفسدون﴾ أي: بما ذكر ﴿ولكن لا يشعرون﴾ أي: لا يفطنون بمعنى لا يعلمون أنهم هم المفسدون بذلك أي: لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاح، وقيل: لا يعلمون ما أعدّ الله لهم من العذاب ووجه الأبلغية في ذلك تصديره بألا المنبهة على تحقيق ما بعدها فإن همزة الاستفهام التي للإنكار إذا دخلت على النفي أفادت تحقيقاً وبأنّ المقرّرة للنسبة وتعريف الخبر وتوسط ضمير الفصل والاستدراك بلا يشعرون.
﴿وإذا قيل لهم آمنوا﴾ هذا من تمام النصح والإرشاد فإنّ كمال الإيمان بمجموع أمرين: الإعراض عما لا ينبغي وهو المقصود بقوله: لا تفسدوا والإتيان بما ينبغي وهو المطلوب بقوله: ﴿آمنوا﴾. ﴿كما آمن الناس﴾ أي: كإيمان الناس الكاملين في الإنسانية الموافق باطنهم فيه لظاهرهم العاملين بقضية العقل، فاللام في الناس للجنس فإنّ اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقاً يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه، أو للعهد، والمراد به الرسول ومن معه، أو عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب. وقرأ هشام والكسائي: قيل، بإشمام القاف وهو أن تضم القاف قبل الباء، ولورش في الهمزة من آمنوا وآمن المدّ والتوسط والقصر ﴿قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء﴾ أي: الجهال، فاللام في السفهاء للعهد وهم من تقدّم، أو لجنس السفهاء بأسرهم وإنما سفهوهم لاعتقاد فساد رأيهم، أو لتحقير شأنهم فإنّ أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه.
قال الله تعالى رداً عليهم أبلغ رد: ﴿ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون﴾ أنهم سفهاء بما فعلوه من إبطان غير ما أظهروه، ووجه الأبلغية في تجهيلهم أنّ الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر.
(١/٥١)


الصفحة التالية
Icon