فقوله تعالى: ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا﴾ أي: تصديقاً لدعواهم الإيمان ﴿الصالحات﴾ أي: الطاعات استثناء متصل على الثاني على أنّ المعنى: رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً يعني: أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة، وهم أهل النار وأسفل من سفل من أهل الدركات. فالاتصال على هذا واضح، وعلى الأوّل منقطع، أي: لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى ﴿فلهم﴾ أي: فتسبب عن ذلك أن كان لهم ﴿أجر غير ممنون﴾ أي: ثواب دائم غير منقطع على طاعاتهم وصبرهم على ابتلاء الله تعالى لهم بالشيخوخة والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على تخاذل نهوضهم وفي الحديث: «إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل». وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إلا الذين قرؤوا القرآن، وقال: من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر. ثم قال تعالى إلزاماً للحجة:
﴿فما يكذبك﴾ أي: أيها الإنسان الكافر ﴿بعد﴾ أي: بعد ما ذكر من خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشراً سوياً وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يستوي ويكمل ويصير في أحسن تقويم، ثم يردّ إلى أرذل العمر الدال على القدرة على البعث، فيقول: إنّ الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني فما سبب تكذيبك أيها الإنسان ﴿بالدين﴾ أي: الجزاء بعد هذا الدليل القاطع. وقيل: الخطاب للنبيّ ﷺ وعلى هذا يكون المعنى: فما الذي يكذبك فيما تخبر به من الجزاء أو البعث بعد هذه العبر التي يوجب النظر فيها صحة ما قلت
(١٤/٨)


الصفحة التالية
Icon