﴿وما أدراك﴾ أي: أعلمك يا أشرف الخلق ﴿ما ليلة القدر﴾ فإن في ذلك تعظيماً لشأنها. روي أنه أنزله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأملاه جبريل عليه السلام على السفرة، ثم كان ينزله على رسول الله ﷺ نجوماً في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحاجة إليه. وحكى الماوردي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه نزل في شهر رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين سنة، ونجمه جبريل على النبي ﷺ عشرين سنة. قال ابن العربي: وهذا باطل ليس بين جبريل وبين الله تعالى واسطة، ولا بين جبريل وبين محمد ﷺ واسطة، وعن الشعبي: إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: المعنى أنزل في شأنها وفضلها فليست ظرفاً، وإنما هو كقول عمر رضي الله عنه: خشيت أن ينزل فيّ قرآن. وقول عائشة رضي الله عنها لأنا أحقر في شأني أن ينزل فيّ قرآن. وسميت ليلة القدر لأن الله تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره إلى السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلمه إلى مدبرات الأمور من الملائكة، وهم إسرافيل وميكائيل وعزرائيل وجبرائيل عليهم السلام، كقوله تعالى: ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ (الدخان: ٤)
(١٤/٢١)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر، وهذا يصلح أن يكون جمعاً بين القولين في قوله تعالى: ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ فإنه قيل فيها: إنها ليلة النصف من شعبان وقيل: ليلة القدر وحينئذ لا خلاف، وقيل: سميت بذلك لتضيقها بالملائكة. قال الخليل: لأن الأرض تضيق فيها الملائكة كقوله تعالى: ﴿ومن قدر عليه رزقه﴾ (الطلاق: ٧)


الصفحة التالية
Icon