أجيب: بأنّ في سورة التحريم إنما يقال لهم يوم القيامة، وثم لا يكون رسولاً إليهم فأزال الواسطة فيكونون في ذلك الوقت مطيعين لا كافرين فلذلك ذكره تعالى بلفظ الماضي، وأمّا هنا فكانوا موصوفين بالكفر، وكان الرسول رسولاً إليهم فقال تعالى: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾، أي: الذي قد حكم بثباتهم على الكفر فلا انفكاك لهم عنه فستروا ما تدلّ عليه عقولهم من الاعتقاد الحق لو جردّوها من أدناس الحظ وهم كفرة مخصوصون، وهم من حكم بموته على الكفر بما طابقه من الواقع، ودل عليه التعبير بالوصف دون الفعل، واستغرق اللام كل من كان على هذا الوصف في كل مكان وكل زمان، والتعبير بالجمع الذي هو أصل في القلة، وقد يستعار للكثرة إشارة إلى البشارة بقلة المطبوع على قلبه من العرب المخاطبين بهذا في حياته صلى الله عليه وسلم
وقال الله تعالى له: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ لأنه ﷺ كان مأموراً بالرفق واللين في جميع الأمور كما قال تعالى: ﴿ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ (آل عمران: ١٥٩)
وقال تعالى: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم﴾ (آل عمران: ١٥٩)
وقال تعالى: ﴿بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ (آل عمران: ١٥٩)
ثم كان مأموراً بأن يدعوهم إلى الله تعالى بالوجه الأحسن، فلذا خاطبهم بيا أيها فكانوا يقولون: كيف يليق هذا التغليظ بذلك الرفق، فأجاب بأني مأمور بهذا الكلام لا أني ذكرته من عند نفسي.
ولما كان القصد إعلامهم بالبراءة منهم من كل وجه، وأنه لا يبالي بهم بوجه لأنه محفوظ منهم قال:
﴿لا أعبد﴾ أي: الآن ﴿ما تعبدون﴾ من دون الله من المعبودات الظاهرة والباطنة بوجه من وجوه العبادات في سرّ ولا علن؛ لأنه لا يصلح للعبادة بوجه.
﴿ولا أنتم عابدون﴾ أي: الآن ﴿ما أعبد﴾ وهو الله تعالى وحده.
﴿ولا أنا عابد﴾، أي: في الاستقبال ما عبدتم} من دون الله تعالى.
(١٤/٩٥)