أجيب: بأنّ المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع. فإن قيل: النصر لا يكون إلا من الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم﴾ (آل عمران: ١٢٦)
فما فائدة التقييد بنصر الله؟ أجيب: بأنّ معناه نصر لا يليق إلا بالله تعالى، كما يقال هذا صنعة زيد إذا كان مشهوراً بإحكام الصنعة والمقصود منه تعظيم حال تلك الصنعة فكذا ههنا. فإن قيل: الذين أعانوا رسول الله ﷺ على فتح مكة هم أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم إنه تعالى سمى نصرتهم لرسوله ﷺ نصر الله فما السبب في ذلك؟ أجيب: بأنّ النصر وإن كان على يد الصحابة لكن لا بدّ له من داع وباعث وهو من الله تعالى، فإن قيل: فعلى هذا الجواب يكون فعل العبد مقدّماً على فعل الله تعالى، وهذا بخلاف النصر لأنه تعالى قال: ﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾ (محمد: ٧)
فجعل نصره مقدّماً على نصره لنا؟ أجيب: بأنه لا امتناع في أن يكون فعل العبد سبباً لفعل آخر يصدر عن الله تعالى، فإنّ أسباب الحوادث ومسبباتها على ترتيب عجيب تعجز عن إدراكه العقول البشرية.
ولما عبر عن المعنى: بالمجيء عبر عن المرئي بالرؤية فقال تعالى:
﴿ورأيت﴾، أي: ببصرك ((الناس))، أي: العرب الذي كانوا حقيرين عند جميع الأمم فصاروا بك هم الناس كما دلت عليه لام الكمال، وصار سائر أهل الأرض لهم أتباعاً بالنسبة إليهم رعاعاً حال كونهم ﴿يدخلون﴾ شيئاً فشيئاً متجدّداً دخولهم مستمرّاً ﴿في دين الله﴾، أي: شرع من لم تزل كلمته هي العليا ﴿أفواجاً﴾، أي: جماعات كثيفة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون واحداً واحداً واثنين اثنين.
(١٤/٩٩)


الصفحة التالية
Icon