﴿يكاد البرق﴾ يقرب لأن كاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لحصول سببه لكنه لم يوجد إما لفقد شرط أو لعروض مانع وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلاً مضارعاً تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب ﴿يخطف أبصارهم﴾ يختلسها، والخطف: الأخذ بسرعة ﴿كلما أضاء لهم مشوا فيه﴾ أي: ضوئه ﴿وإذا أظلم عليهم قاموا﴾ أي: وقفوا متحيّرين فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفاتها أنّ الساري لا يمكنه المشي فيها، ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم في آذانهم من هوله، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدّة توقده، فهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه، فالمطر: القرآن، لأنه حياة القلوب كما أنّ المطر حياة الأبدان، والظلمات: ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك، والرعد: ما خوّفوا به من الوعيد وذكر النار، والبرق: ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة، والكافرون والمنافقون يسدّون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه ولإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم، وإنما قال الله تعالى مع الإضاءة: كلما ومع الإظلام: إذا، لأنهم حرّاس على المشي كلما صادفوا منه فرصة مما يحبون انتهزوها ولا كذلك التوقف فيما يكرهون. ومعنى قاموا: وقفوا، كما مرّ، ومنه قامت السوق إذا ركدت، أي: سكنت، ويقال: قامت السوق بمعنى: نفقت، فهو من الأضداد. ﴿ولو شاء الله لذهب بسمعهم﴾ بمعنى: أسماعهم ﴿وأبصارهم﴾ الظاهرة كما ذهب بالباطنة، أي: ولو شاء أن يذهب بسمعهم بشدّة صوت الرعد وأبصارهم بلمعان البرق لذهب بهما فحذف المفعول وهو أن يذهب لدلالة الجواب وهو لذهب عليه، ولقد تكاثر حذف المفعول في شاء وأراد إذا وقعا في حيز الشك كما هنا لدلالة الجواب على ذلك المحذوف حتى لا يكاد يذكر إلا في الشيء المستغرب، كقول القائل:
(١/٦٣)