لما روي أنّ النبيّ ﷺ قال لعبد الله بن بشر المازني: «تعيش قرناً» فعاش مائة سنة وقيل: مائة وعشرون فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهل قرن ﴿مكناهم في الأرض﴾ أي: جعلنا لهم فيها مكاناً بالقوّة والسعة وقررناهم فيها ﴿ما لم نمكن لكم﴾ أي: ما لم نجعل لكم من السعة والقوّة فيه التفات عن الغيبة، والمعنى: لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثموداً وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا ﴿وأرسلنا السماء﴾ هي المطر ﴿عليهم مدراراً﴾ أي: متتابعاً ﴿وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم﴾ أي: تحت مساكنهم ﴿فأهلكناهم بذنوبهم﴾ أي: بسبب ذنوبهم بتكذيبهم الأنبياء فلم يغن ذلك عنهم شيئاً ﴿وأنشأنا﴾ أي: أحدثنا ﴿من بعدهم قرناً آخرين﴾ بدلاً منهم.
فإن قيل: ما فائدة ذكر أنشأنا قرناً آخرين بعدهم؟ أجيب: بأنه ذكر للدلالة على أنه تعالى لا يتعاظمه أن يهلك قرناً ويخرب بلاده منهم فإنه قادر على أن ينشىء مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده فهو قادر على أن يفعل ذلك بكم.
ونزل لما قال النضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد: يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله ﴿ولو نزلنا عليك كتاباً﴾ أي: مكتوباً ﴿في قرطاس﴾ أي: رق كما اقترحوه ﴿فلمسوه بأيديهم﴾ أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك ﴿لقال الذين كفروا أن﴾ أي: ما ﴿هذا إلا سحر مبين﴾ أي: تعنتاً وعناداً كما قالوا في انشقاق القمر.
(١٥/١٥٦)


الصفحة التالية
Icon