﴿ولو جعلناه﴾ أي: المنزل إليهم ﴿ملكاً لجعلناه﴾ أي: الملك ﴿رجلاً﴾ أي: على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوّة للبشر على رؤية الملك في صورته وإنما رآه كذلك الأفراد من الأنبياء لقوّتهم القدسية وقوله تعالى: ﴿وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ جواب محذوف أي: ولو أنزلناه وجعلناه رجلاً للبسنا أي: لخلطنا عليهم بجعلنا إياه رجلاً ما يخلطون على أنفسهم وعلى غيرهم فيقولون: ما هذا إلا بشر مثلكم وإنما كان تلبيساً لأنهم لبسوا على ضعفتهم في أمر النبيّ ﷺ فقالوا: إنما هو بشر مثلكم ولو رأوا الملك رجلاً للحقهم من اللبس مثل ما لحق الضعفاء منهم فيكون اللبس نقمة من الله وعقوبة لهم على ما كان منهم من التخليط في السؤال واللبس على الضعفاء.
وقوله تعالى:
﴿ولقد استهزىء برسل من قبلك﴾ فيه تسلية للنبي ﷺ على ما يرى من قومه ﴿فحاق﴾ قال الربيع بن أنس: فنزل، وقال عطاء: فحل، وقال الضحاك: فأحاط ﴿بالذين سخروا منهم﴾ أي: من أولئك الرسل ﴿ما كانوا به يستهزؤن﴾ وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
﴿قل﴾ لهم ﴿سيروا في الأرض﴾ أي: أوقعوا السير للاعتبار فيها ولا تغتروا بإمهالكم وتمكينكم ﴿ثم انظروا كيف كان عاقبة﴾ أي: آخر أمر ﴿المكذبين﴾ الرسل من هلاكهم بالعذاب فإنكم إذا شاهدتم تلك الآثار كمل لكم الاعتبار بهم.
﴿قل﴾ لهم ﴿لمن ما في السموات والأرض﴾ خلقاً وملكاً وهو سؤال تبكيت ﴿قل ﴾ إن لم يقولوه لا جواب غيره لأنه المتعين للجواب بالاتفاق إذ لا يمكنهم أن يذكروا غيره ﴿كتب﴾ أي: قضى ﴿على نفسه الرحمة﴾ تفضلاً منه وإحساناً، فالرحمة تعم الدارين ومن ذلك الهداية إلى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الأدلة وإنزال الكتب والإمهال على الكفرة والعصاة والمذنبين ولو شاء لسلط عليهم المضار وجعل عيشهم من غير اللذيذ كالتراب وبعض القاذورات التي تعيش فيها الحيوانات.
(١٥/١٥٨)


الصفحة التالية
Icon