﴿ولقد كذبت رسل من قبلك﴾ تسلية للنبيّ ﷺ وهذا دليل على أن قوله: ﴿فإنهم لا يكذبونك﴾ ليس بنفي لتكذيبه مطلقاً وإنما هو من قولك لغلامك: ما أهانوك ولكنهم أهانوني ﴿فصبروا على ما كذبوا﴾ أي: على تكذيبهم لهم ﴿وأوذوا﴾ أي: وصبروا على إيذائهم لهم ﴿حتى أتاهم نصرنا﴾ بإهلاك من كذبهم فتأس بهم واصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك من كذبك وفي ذلك إيماء بوعد النصر للصابرين ﴿ولا مبدل لكلمات الله﴾ أي: لمواعيده من قوله تعالى: ﴿ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين﴾ (الصافات، ١٧١) الآيات ﴿ولقد جاءك من نبأ المرسلين﴾ أي: من قصصهم وما كابدوا من قومهم مما يسكن به قلبك قيل: من مزيدة، وقيل: للتبعيض ويدل له قوله تعالى: ﴿منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك﴾ (غافر، ٧٨).
﴿وإن كان كبر﴾ أي: عظم وشق ﴿عليك إعراضهم﴾ عنك وعن الإيمان بما جئت به ﴿فإن استطعت أن تبتغي﴾ أي: تطلب بجهدك وغاية طاقتك ﴿نفقاً﴾ أي: منفذاً ﴿في الأرض﴾ تنفذ فيه إلى ما عساك تقدر إلى الانتهاء إليه ﴿أو سلماً في السماء﴾ أي: جهة العلوّ لترتقي فيه إلى ما تقدر عليه ﴿فتأتيهم بآية﴾ أي: مما اقترحوه عليك فافعل لتشاهد أنهم لا يزدادون عند إتيانك بها إلا إعراضاً كما أخبرناك لأنّ الله تعالى شاء ضلال بعضهم والمقصود بهذا بيان شدّة حرصه ﷺ على هدايتهم وأنه لو قدر أن يتكلف النزول إلى تحت الأرض أو فوق السماء فيأتيهم بما يؤمنون به لفعل ﴿ولو شاء الله﴾ هدايتهم ﴿لجمعهم على الهدى﴾ أي: لوفقهم له ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا والمعتزلة أوّلوا ﴿لو شاء الله﴾ بأنه لو شاء لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة ولكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة، وجرى على هذا الزمخشريّ في كشافه.
(١٥/١٧٣)


الصفحة التالية
Icon