فإن قيل: هلا اكتفى بقوله: ﴿ما عليك من حسابهم من شيء﴾ عن ﴿وما من حسابك عليهم من شيء﴾؟ أجيب: بأن الجملتين جعلتا بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدّى واحد وهو المعنى في قوله تعالى: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (الأنعاك، ١٦٤) ولا يفيد هذا المعنى إلا الجملتان جميعاً.
كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه، وقيل: الضمير للمشركين والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعاً فيه وقوله تعالى: ﴿فتطردهم﴾ أي: فتبعدهم جواب النفي وقوله تعالى: ﴿فتكون من الظالمين﴾ جواب النهي وهو ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة، واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية فقالوا: إنّ النبيّ ﷺ لما همّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل أشراف قريش عاتبه الله تعالى به على ذلك ونهاه عن طردهم وذلك قدح في العصمة وقوله تعالى: ﴿فتطردهم فتكون من الظالمين﴾ وأجيب: بأنه ﷺ ما طردهم ولا همّ به لأجل استخفاف بهم وإنما كان هذا الهم لمصلحة وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى وهو اجتهاد منه ﷺ فأعلمه الله تعالى أنّ تقريب هؤلاء الفقراء أولى من الهمّ بطردهم فقرّبهم منه وأدناهم والظلم في اللغة وضع الشيء في غير محله أي: فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير معوضه فهو من باب ترك الأفضل والأولى لا من باب ترك الواجبات.
(١٥/١٨٥)


الصفحة التالية
Icon