وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم فنفى موسى عليه السلام الإدراك مع ثبوت الرؤية فالله تعالى يصح أن يرى من غير إدراك ولا إحاطة كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به قال تعالى: ﴿ولا يحيطون به علماً﴾ فنفي الإحاطة مع ثبوت العلم، قال سعيد بن المسيب: لا تحيط به الأبصار وقال عطاء: كلت أبصار، المخلوقين عن الإحاطة به، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومقاتل: لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة، وظاهر هذا التسوية بين الإدراك والرؤية ويدل على هذا التخصيص قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ (القيامة، ٢٢، ٢٣)
فقوله: ناظرة مقيد بيوم القيامة ويكون هذا جمعاً بين الآيتين ﴿وهو يدرك الأبصار﴾ أي: يراها أو يحيط بها علماً فلا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء ﴿وهو اللطيف الخبير﴾ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: اللطيف بأوليائه الخبير بهم،
وقال الزهري: اللطيف الرفيق بعباده، وقيل: اللطيف الموصل الشيء بالرفق واللين، وقيل: اللطيف الذي ينسي العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا.
﴿قد جاءكم بصائر﴾ جمع بصيرة أي: حجج ﴿من ربكم﴾ تبصرون بها الهدى من الضلالة والحق من الباطل ﴿فمن أبصر﴾ أي: عمل بالأدلة ﴿فلنفسه﴾ أي: خاصة إبصاره لأنه خلصها من الضلال إلى الهدى ﴿ومن عمي﴾ أي: لم يهد بالأدلة ﴿فعليها﴾ أي: خاصة عماه لأنه يضل فلا يضر إلا نفسه ﴿وما أنا عليكم بحفيظ﴾ أي: برقيب لأعمالكم وإنما أنا منذر والله تعالى هو الرقيب عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها.
(١٥/٢٣٦)