وجعل فساقهم أكابرهم ﴿ليمكروا فيها﴾ بالصدّ عن الإيمان وذلك أنهم أجلسوا على طرق مكة أربع نفر ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد ﷺ يقولون لكل من يقدم: إياكم وهذا الرجل فإنه كاهن ساحر كذاب فكان هذا مكرهم ﴿وما يمكرون إلا بأنفسهم﴾ لأنّ وباله يحيق بهم ﴿وما يشعرون﴾ أي: وما لهم نوع شعور بذلك.
﴿وإذا جاءتهم﴾ أي: أهل مكة ﴿آية﴾ على صدق النبيّ ﷺ ﴿قالوا لن نؤمن﴾ به ﴿حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله﴾ أي: من النبوّة وذلك أنّ الوليد بن المغيرة قال للنبيّ ﷺ لو كانت النبوّة حقاً لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سناً وأكثر منك مالاً فنزلت، وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل حين قال: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا: منا نبيّ يوحى إليه، والله لا نرضى إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه.
وقوله تعالى: ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالاته﴾ استئناف للردّ عليهم بأن النبوّة ليست بالنسب والمال وإنما هي بفضائل نفسانية يخص الله بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالته من علم أنه يصلح لها وحيث مفعول به لفعل محذوف دل عليه أعلم لأنّ أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به أي: يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها وهؤلاء ليسوا أهلاً لها، وقرأ ابن كثير وحفص بنصب التاء ورفع الهاء ولا ألف قبل التاء على التوحيد، والباقون بكسر التاء والهاء وألف قبل التاء على الجمع ﴿سيصيب الذين أجرموا﴾ بقولهم ذلك ﴿صغار﴾ أي: ذل وهوان ﴿عند الله﴾ يوم القيامة، وقيل: تقديره من عند الله ﴿وعذاب﴾ أي: مع الصغار ﴿شديد﴾ أي: في الدنيا بالقتل والأسر وفي الآخرة بالنار ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كانوا يمكرون﴾ من صدّهم الناس عن الإيمان وطلبهم ما لا يستحقونه.
(١٥/٢٥١)
بأن يقذف في قلبه نوراً فينفسح له ويقبله.