﴿سيقول الذين أشركوا﴾ إخبار عن مستقبل وقوع مخبره يدل على إعجازه، ولما لزمتهم الحجة وتيقنوا بطلان ما كانوا عليه من الشرك بالله وتحريم ما لم يحرمه الله قالوا: ﴿لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء﴾ أرادوا أن يجعلوا قولهم: لو شاء الله ما أشركنا حجة لهم على إقامتهم على الشرك وقالوا: إن الله قادر على أن يحول بيننا وبين ما نحن فيه حتى لا نفعله فلولا أنه رضي ما نحن فيه وأراده منا وأمرنا به لحال بيننا وبين ذلك فقال الله تعالى تكذيباً: لهم: ﴿كذلك كذب الذين من قبلهم﴾ أي: من كفار الأمم الماضية ﴿حتى ذاقوا بأسنا﴾ أي: عذابنا ويستدل أهل القدر بهذه الآية يقولون: إنهم لما قالوا: ﴿لو شاء الله ما أشركنا﴾ كذبهم الله ورد عليهم فقال: ﴿كذلك كذب الذين من قبلهم﴾ وأجاب أهل السنة بأن التكذيب ليس في قولهم لو شاء الله ما أشركنا بل ذلك القول صدق ولكن في قولهم: إن الله أمرنا بها ورضي ما نحن عليه كما أخبر تعالى عنهم في سورة الأعراف ﴿وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا وا أمرنا بها﴾ (الأعراف، ٢٨)
فالرد عليهم في هذا كما قال تعالى: ﴿قل إنّ الله لا يأمر بالفحشاء﴾ (الأعراف، ٢٨)
والدليل على أنّ التكذيب ورد فيما قلنا لا في قولهم: ﴿لو شاء الله ما أشركنا﴾ قوله تعالى: ﴿كذب الذين من قبلهم﴾ بالتشديد ولو كان كذلك خبراً من الله عن كذبهم في قولهم: ﴿لو شاء الله ما أشركنا﴾ لقال: كذب الذين من قبلهم بالتخفيف وكان ينسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب، وقال الحسين بن الفضل: لو ذكروا هذه المقالة تعظيماً وإجلالاً لله تعالى ومعرفة منهم لما عابهم بذلك لأنّ الله تعالى قال: ﴿ولو شاء الله ما أشركوا﴾ (الأنعام، ١٠٧)
وقال تعالى: ﴿وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله﴾ (الأنعام، ١١١)
(١٥/٢٧٤)