الملك طالوت والنهر
حين تباعدَ اليهودُ عن تَعاليمِ التَّوراةِ التي نَزلتْ على موسى عليه السلام، حين هَجروا كثيرًا من تَعاليمِه وأَوامِرهِ، عندئذٍ وقعَ لهم ما يقعُ لكلِّ أُمةٍ تهجرُ كِتابَها أو تُضيعُ أَوامرَ نَبيِّها المُرسلِ...
تَدهورتْ أَحوالُ بني إسرائيلَ عندئذٍ، وهُزِموا من أَعدائِهِم، واستولى الأعداءُ على تابوتِ العهدِ، وفيه بقيةٌ مما تركَ آلُ موسى وَهارونَ، وتَشرَّدوا في الأرضِ، وطُرِدوا من دِيارهِم، وساءَتْ أحْوالُهُم، وشاعَ الذُّلُّ بينهم، وحكَمَهُم الضَّعفُ. فجعل من بينهم حكيمًا يدعوهم إلى الله.
وذات يومٍ ذهبَ كبارُ القومِ من بني إسرائيلَ إلى هذا الحكيم وقالوا له:
: أليس الله هو الذي بعثكَ إلينا؟
الحكيم: بلى.
القوم: ألسنا مُشرَّدينَ؟
الحكيم: بلى.
القوم: ألسنا مَظْلومينَ؟
الحكيم: بلى.
القوم: لماذا لا تَسألُ أن يبعثَ لنا مَلِكًا يَجمعُنا تحت رَايتهِ كي نُقاتلَ في سَبيلِ الله ونَستعيدَ حقَّنا ونُصلحَ ما فَسدَ من أَحوالِنا؟
الحكيم: أخَافُ إنْ دعوتُ الله أن يَبعثَ لكُم مَلِكًا يَدعوكُم إلى القتالِ ألا تُقاتِلوا.
القوم: ولماذا لا نُقاتِلُ في سَبيلِ الله وقد أُخرِجْنَا من دِيارِنا؟
الحكيم: ألن تَتراجَعوا لو حدث ما تَطلُبونَه؟
القوم: أبدًا لن نَتراجعَ.
الحكيم: سوف أَسأَلُ الله تعالى أن يختارَ لكم مَلِكًا تُقاتِلونَ تحت رَايَتِه.
انصرفَ القومُ ودَعا الحكيمُ ربَّ العالمينَ أن يختارَ لهم مَلِكًا.
في نفسِ الوقتِ خرجَ طالوتُ يَرعى غَنَمه. كان طالوتُ واحِدًا من بني إسرائيلَ، وكان قلبُه يَنطوي على الخيرِ، وكان معه أَحدُ فِتيانِه، فانشغلَ في حَديث هَامِسٍ معَ الفتى، فتشَردَتْ غنمُه في السُّهولِ.
ثم انتهى حَديثُه مع الغُلامِ، فنظرَ حولَه فلم يرَ الغنمَ ولا رأى الحميرَ.
طالوت: لقد استَغرقَنا الحديثُ فَسارتِ الأغنامُ في الصحراءِ، تعالَ نبحثُ عنها.