الأوقار لا يشعر من ذلك الا بما يمر بدفيه من الكد والتعب
وكقوله
! ٢ < واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء > ٢ ! الكهف ٤٥ المراد قلة بقاء زهرة الدنيا كقلة بقاء الخضر
فأما ان يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيره شيئا واحدا فلا فكذلك لما وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبهت حيرتهم وشدة الأمر عليهم بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق
فإن قلت الذي كنت تقدره في المفرق من التشبيه من حذف المضاف وهو قولك او كمثل ذوي صيب هل تقدر مثله في المركب منه قلت لولا طلب الراجع في قوله تعالى
^ يجعلون أصابعهم في ءاذانهم ^
ما يرجع اليه لكنت مستغنيا عن تقديره لأني أراعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام فلا علي أولي حرف التشبيه مفرد يتأتى التشبيه به ام لم يله
ألا ترى الى قوله
! ٢ < إنما مثل الحياة الدنيا > ٢ ! يس ٢٤ كيف ولي الماء الكاف وليس الغرض تشبيه الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل لتقديره
ومما هو بين في هذا قول لبيد
( وما الناس الا كالديار وأهلها % بها يوم حلوها وغدوا بلاقع )
لم يشبه الناس بالديار وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم وفنائهم بحلول أهل الديار فيها ووشك نهوضهم عنها وتركها خلاء خاوية
فإن قلت أي التمثيلين أبلغ قلت الثاني لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته ولذلك آخر وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون الى الأغلظ
فإن قلت لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك قلت او في أصلها لتساوي شيئين فصاعدا في الشك ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك وذلك قولك جالس الحسن او ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب ان يجالسا ومنه قوله تعالى
! ٢ < ولا تطع منهم آثما أو كفورا > ٢ ! الانسان ٢٤ أي الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما فكذلك قوله
! ٢ < أو كصيب > ٢ !
معناه ان كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتي هاتين القصتين وان القصتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل فبأيتهما مثلتها فانت مصيب وإن مثلتها بهما جميعا فكذلك
والصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع ويقال للسحاب صيب أيضا قال الشماخ
( وأسحم دان صادق الرعد صيب % )

__________


الصفحة التالية
Icon