من التأكيد وأسباب من المبالغة لأن كل ما نادى الله له عباده من اوامره ونواهيه وعظاته وزواجره ووعده ووعيده واقتصاص أخبار الأمم الدارجة عليهم وغير ذلك مما أنطق به كتابه أمور عظام وخطوب جسام ومعان عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم اليها وهم عنها غافلون
فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ
فإن قلت لا يخلو الأمر بالعبادة من أن يكون متوجها الى المؤمنين والكافرين جميعا او الى كفار مكة خاصة على ما روى عن علقمة والحسن فالمؤمنون عابدون ربهم فكيف امروا بما هم ملتبسون به وهل هو الا كقول القائل
( فلو اني فعلت كنت من % تسأله وهو قائم ان يقوما )
واما الكفار فلا يعرفون الله ولا يقرون به فكيف يعبدونه قلت المراد بعبادة المؤمنين ازديادهم منها وإقبالهم وثباتهم عليها
واما عبادة الكفار فمشروط فيها ما لا بدلها منه وهو الإقرار كما يشترط على المأمور بالصلاة شرائطها من الوضوء والنية وغيرهما وما لا بد للفعل منه فهو مندرج تحت الأمر به وإن لم يذكر حيث لم ينفعل الا به وكان من لوازمه
على ان مشركي مكة كانوا يعرفون الله ويعترفون به
! ٢ < ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله > ٢ ! الزخرف ٨٧
فإن قلت فقد جعلت قوله
! ٢ < اعبدوا > ٢ !
متناولا شيئين معا الأمر بالعبادة والأمر بازديادها
قلت الازدياد من العبادة عبادة وليس شيئا آخر
فإن قلت
! ٢ < ربكم > ٢ !
ما المراد به قلت كان المشركون معتقدين ربوبيتين ربوبية الله وربوبية آلهتهم
فإن خصوا بالخطاب فالمراد به اسم يشترك فيه رب السموات والأرض والآلهة التى كانوا يسمونها أربابا وكان قوله
! ٢ < الذي خلقكم > ٢ !
صفة موضحة مميزة وإن كان الخطاب للفرق جميعا فالمراد به ربكم على الحقيقة
والذي خلقكم صفة جرت عليه على طريق المدح والتعظيم ولا يمتنع هذا الوجه في خطاب الكفرة خاصة الا أن الأول أوضح وأصح
والخلق ايجاد الشيء على تقدير واستواء
يقال خلق النعل اذا قدره وسواها بالمقياس وقرأ أبو عمرو
! ٢ < خلقكم > ٢ ! بالإدغام
وقرأ ابن السميفع وخلق من قبلكم وفي قراءة زيد بن علي ( والذين من قبلكم ) وهي قراءة مشكلة ووجهها على إشكالها ان يقال أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيدا كما أقحم جرير في قوله

__________


الصفحة التالية
Icon