ليس بحق، كتعليقه بالمحال في قولك : إن كان الباطل حقاً، فأمطر علينا حجارة. وقوله :﴿ هُوَ الْحَقُّ ﴾ تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين : هذا هو الحق. وقرأ الأعمش ﴿ هُوَ الْحَقُّ ﴾ بالرفع، على أن هو مبتدأ غير فصل. وهو في القراءة الأولى فصل. ويقال : أمطرت السماء، كقولك أنجمت وأسبلت ومطرت، كقولك : هتنت وهتلت، وقد كثر الأمطار في معنى العذاب. فإن قلت : ما فائدة قوله :﴿ مّنَ السَّمَاء ﴾ ؟ والأمطار لا تكون إلا منها. قلت : كأنه يريد أن يقال : فأمطر علينا السجيل وهي الحجارة المسوّمة للعذاب، فوضع ﴿ حِجَارَةً مّنَ السَّمَاء ﴾ موضع السجيل، كما تقول : صب عليه مسرودة من حديد، تريد درعاً ﴿ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ أي بنوع آخر من جنس العذاب الأليم، يعني أن أمطار السجيل بعض العذاب الأليم، فعذبنا به أو بنوع آخر من أنواعه. وعن معاوية أنه قال لرجل من سبإ : ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة ا قال : أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله ﷺ حين دعاهم إلى الحق ﴿ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً ﴾ ولم يقولوا : إن كان هذا هو الحق فاهدنا له. اللام لتأكيد النفي، والدلالة على أنّ تعذيبهم وأنت بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة ؛ لأن عادة الله وقضية حكمته أن لا يعذب قوماً عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه إشعار بأنهم مرصودون بالعذاب إذا هاجر عنهم. والدليل على هذا الإشعار قوله :﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ اللَّهُ ﴾ وإنما يصح هذا بعد إثبات التعذيب، كأنه قال : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وهو معذبهم إذا فارقتهم، وما لهم أن لا يعذبهم ﴿ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ في موضع الحال. ومعناه نفي الاستغفار عنهم : أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم، كقوله :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ ( هود : ١١٧ ) ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، ولا يتوقع ذلك منهم. وقيل معناه وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر، وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله ﷺ من المستضعفين، ﴿ وَمَا لَهُمْ * أَن لا * يُعَذّبْهُمُ اللَّهُ ﴾ وأي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم، يعني : لا حظّ لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة. وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدّون عن المسجد الحرام كما صدّوا رسول الله ﷺ عام الحديبية، وإخراجهم رسول الله ﷺ والمؤمنين من الصدّ، وكانوا يقولون : نحن ولاة البيت والحرم فنصدّ من نشاء وندخل من نشاء ﴿ مَا كَانُواْ * أَوْلِيَاءهُ ﴾ وما استحقوا مع إشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه ﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ ﴾ من المسلمين ليس كل مسلم أيضاً ممن يصلح لأن يلي أمره، إنما يستأهل ولايته

__________


الصفحة التالية
Icon