تعمله في الحال إذا قلت : مالك قائماً، وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف. استتفروا في وقت عسرة وقيظ وقحط مع بعد الشقة وكثرة العدو، فشقّ عليهم. وقيل : ما خرج رسول الله ﷺ في غزوة إلاّ ورّى عنها بغيرها إلاّ في غزوة تبوك ليستعدّ الناس تمام العدة ﴿ مِنَ الاْخِرَةِ ﴾ أي بدل الآخرة كقوله :﴿ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَئِكَةً ﴾ ( الزخرف : ٦٠ ). ﴿ فِى الاْخِرَةِ ﴾ في جنب الآخرة ﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ ﴾ سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين، وأنه يهلكهم ويستبدل بهم قوماً آخرين خيراً منهم وأطوع، وأنه غني عنهم في نصرة دينه، لا يقدح تثاقلهم فيها شيئاً : وقيل : الضمير للرسول : أي ولا تضروه، لأنّ الله وعده أن يعصمه من الناس وأن ينصره، ووعد الله كائن لا محالة، وقيل : يريد بقوله :﴿ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ ( التوبة : ٣٩ ) أهل اليمن. وقيل : أبناء فارس، والظاهر مستغن عن التخصيص. فإن قلت : كيف يكون قوله :﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ جواباً للشرط ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : إلاّ تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلاّ رجل واحد ولا أقل من الواحد، فدلّ بقوله :﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ على أنه ينصره في المستقبل، كما نصره في ذلك الوقت. والثاني : أنه أوجب له النصرة وجعله منصوراً في ذلك الوقت، فلن يخذل من بعده. وأسند الإخراج إلى الكفار كما أسند إليهم في قوله :﴿ مّن قَرْيَتِكَ الَّتِى أَخْرَجَتْكَ ﴾ لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ﴾ أحد اثنين، كقوله :﴿ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾ وهما رسول الله ﷺ وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. يروى :
( ٤٦٤ ) أنّ جبريل عليه السلام لما أمره بالخروج قال : من يخرج معي ؟ قال : أبو بكر وانتصابه على الحال. وقرىء :( ثاني اثنين ) بالسكون و ﴿ إِذْ هُمَا ﴾ بدل من إذ أخرجه. والغار : ثقب في أعلى ثور، وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة، مكثا فيه ثلاثاً ﴿ إِذْ يَقُولُ ﴾ بدل ثان. وقيل :
( ٤٦٥ ) طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله