﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ﴾ ( هود : ٨١ )، ﴿ ذالِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ ( هود : ٦٥ ) فجيء بالفاء الذي هو للتسبيب، كما تقول : وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت. وأما الأخريان فلم تقعا بتلك المثابة. وإنما وقعتا مبتدأتين، فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما كما تعطف قصة على قصة. الجاثم : اللازم لمكانه لا يريم، كاللابد يعني أن جبريل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم بحيث هو قعصا ﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ ﴾ كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين. البعد : بمعنى البعد وهو الهلاك، كالرشد بمعنى الرشد. ألا ترى إلى قوله :﴿ كَمَا بَعِدَتْ ﴾ ؟ وقرأ السلمي ( بعدت ) بضم العين، والمعنى في البناءين واحد، وهو نقيض القرب، إلا أنهم أرادوا التفصلة بين البعد من جهة الهلاك وبين غيره، فغيروا البناء كما فرقوا بين ضماني الخير والشر فقالوا : وعد وأوعد، وقراءة السلمي جاءت على الأصل اعتباراً لمعنى البعد من غير تخصيص، كما يقال : ذهب فلان ومضى، في معنى الموت. وقيل : معناه بعداً لهم من رحمة الله كما بعدت ثمود منها.
! ٧ < ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِى هَاذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ﴾ > ٧ !
< < هود :( ٩٦ - ٩٩ ) ولقد أرسلنا موسى..... > > ﴿ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ فيه وجهان : أن يراد أنّ هذه الآيات فيها سلطان مبين لموسى على صدق نبوّته، وأن يراد بالسلطان المبين : العصا ؛ لأنها أبهرها ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل، وذلك أنه ادّعى الإلهية وهو بشر مثلهم، وجاهر بالعسف والظلم والشر الذي لا يأتي إلا من شيطان مارد، ومثله بمعزل من الإلهية ذاتاً وأفعالاً، فاتبعوه وسلموا له دعواه، وتتابعوا على طاعته. والأمر الرشيد : الذي فيه رشد أي : وما في أمره رشد إنما هو غيّ صريح وضلال ظاهر مكشوف، وإنما يتبع العقلاء من يرشدهم ويهديهم، لا من يضلهم ويغويهم. وفيه أنهم عاينوا الآيات والسلطان المبين في أمر موسى عليه السلام، وعلموا أن معه الرشد والحق، ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في أمره رشد قط ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ ﴾ أي كما كان قدوة لهم في الضلال كذلك يتقدّمهم إلى النار وهم يتبعونه. ويجوز أن يريد بقوله :﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ وما أمره بصالح حميد العاقبة. ويكون قوله :﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ ﴾ تفسيراً لذلك وإيضاحاً. أيّ : كيف يرشد أمر من هذه عاقبته. والرشد مستعمل في كل ما يحمد ويرتضى، كما استعمل الغيّ في كل ما يذم ويتسخط. ويقال :