الجمعة عن أيام الأسبوع بكونه مشهوداً فيه دونها، ولم يجز أن يكون مشهوداً في نفسه ؛ لأنّ سائر أيام الأسبوع مثله يشهدها كل من يشهده، وكذلك قوله :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ ( البقرة : ١٨٥ ) الشهر منتصب ظرفاً لا مفعولا به، وكذلك الضمير في ﴿ فَلْيَصُمْهُ ﴾ والمعنى : فمن شهد منكم في الشهر فليصم فيه، يعني : فمن كان منكم مقيماً حاضراً لوطنه في شهر رمضان فليصم فيه، ولو نصبته مفعولاً فالمسافر والمقيم كلاهما يشهدان الشهر، لا يشهده المقيم، ويغيب عنه المسافر :
! ٧ < ﴿ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لاًّجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ > ٧ !
< < هود :( ١٠٤ ) وما نؤخره إلا..... > > الأجل : يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها، فيقولون : انتهى الأجل، وبلغ الأجل آخره، ويقولون : حل الأجل ﴿ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ﴾ ( الأعراف : ٣٤ ) يراد آخر مدة التأجيل، والعدّ إنما هو للمدّة لا لغايتها ومنتهاها، فمعنى قوله :﴿ وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاَّ لاِجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ إلا لانتهاء مدة معدودة بحذف المضاف. وقرىء :( وما يؤخره ) بالياء.
! ٧ < ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ ﴾ > ٧ !
< < هود :( ١٠٥ ) يوم يأت لا..... > > قرىء :( يوم يأت ) بغير ياء. ونحوه قولهم : لا أدر، حكاه الخليل وسيبويه. وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل. فإن قلت : فاعل يأتي ما هو ؟ قلت : الله عز وجل، كقوله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ﴾ ( البقرة : ٢١٠ )، ﴿ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ ﴾ ( الأنعام : ١٥٨ )، ﴿ وَجَاء رَبُّكَ ﴾ ( الفجر : ٢٢ ) وتعضده قراءة :( وما يؤخر ) بالياء. وقوله :﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم، كقوله تعالى :﴿ أَن تَأْتِيهُمُ * السَّاعَةَ ﴾ ( يوسف : ١٠٧ ). فإن قلت : بما انتصب الظرف ؟ قلت : إمّا أن ينتصب بلا تكلم. وإما بإضمار ( اذكر ) وإمّا بالانتهاء المحذوف في قوله :﴿ إِلاَّ لاِجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ ( هود : ١٠٤ ) أي ينتهي الأجل يوم يأتي، فإن قلت : فإذا جعلت الفاعل ضمير اليوم، فقد جعلت اليوم وقتاً لإتيان اليوم وحدّدت الشيء بنفسه قلت : المراد إتيان هوله وشدائده ﴿ لاَ تَكَلَّمُ ﴾ لا تتكلم، وهو نظير قوله :﴿ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ ﴾. فإن قلت : كيف يوفق بين هذا وبين قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا ﴾ ( النحل : ١١١ ) وقوله تعالى :﴿ هَاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ ( المرسلات : ٣٦ )، قلت : ذلك يوم طويل له مواقف ومواطن، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها : يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم ﴿ فَمِنْهُمْ ﴾ الضمير لأهل الموقف ولم يذكروا ؛ لأنّ ذلك معلوم، ولأنّ قوله :﴿ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ ﴾ يدل عليه، وقد مرّ ذكر الناس في قوله :﴿ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ﴾ ( هود : ١٠٣ ) والشقى الذي وجبت له النار لإساءته، والسعيد الذي وجبت له الجنة لإحسانه.

__________


الصفحة التالية
Icon