القواعد : أساطين البناء التي تعمده. وقيل : الأساس وهذا تمثيل، يعني : أنهم سووا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات، كحال قوم بنوا بنياناً وعمدوه بالأساطين فأتى البنيان من الأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وهلكوا. ونحوه : من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً. وقيل : هو نمرود بن كنعان حين بنى الصرح ببابل طوله خمسة آلاف ذراع. وقيل فرسخان، فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا. ومعنى إتيان الله : إتيان أمره ﴿ مّنَ الْقَوَاعِدِ ﴾ من جهة القواعد ﴿ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون. وقرىء :( فأتى الله بيتهم ). ( فخرّ عليهم السفُفُ )، بضمتين ﴿ يُخْزِيهِمْ ﴾ يذلهم بعذاب الخزي ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ﴾ ( آل عمران : ١٩٢ ) يعني هذا لهم في الدنيا، ثم العذاب في الآخرة ﴿ شُرَكَائِىَ ﴾ على الإضافة إلى نفسه حكاية لإضافتهم، ليوبخهم بها على طريق الاستهزاء بهم ﴿ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ﴾ تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم ومعناهم. وقرىء :( تشاقونِ )، بكسر النون، بمعنى : تشاقونني ؛ لأنّ مشاقة المؤمنين كأنها مشاقة الله ﴿ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ﴾ هم الأنبياء والعلماء من أممهم الذين كانوا يدعونهم إلى الإيمان ويعظونهم، فلا يلتفتون إليهم ويتكبرون عليهم ويشاقونهم، يقولون ذلك شماتة بهم وحكى الله ذلك من قولهم ليكون لطفاً لمن سمعه. وقيل : هم الملائكة قرىء :( تتوفاهم )، بالتاء والياء. وقرىء :( الذين توفاهم )، بإدغام التاء في التاء ﴿ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ ﴾ فسالموا وأخبتوا، وجاءوا بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الشقاق والكبر، وقالوا :﴿ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء ﴾ وجحدوا ما وجد منهم من الكفر والعدوان، فردّ عليهم أو لو العلم ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ فهو يجازيكم عليه، وهذا أيضاً من الشماتة وكذلك ﴿ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ﴾.
! ٧ < ﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هاذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الاٌّ خِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِى اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ > ٧ !
< < النحل :( ٣٠ ) وقيل للذين اتقوا..... > > ﴿خَيْرًا ﴾ أنزل خيراً فإن قلت : لم نصب هذا ورفع الأول ؟ قلت : فصلا بين جواب المقرّ وجواب الجاحد، يعني أن هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا، وأطبقوا الجواب على السؤال بينا مكشوفاً مفعولاً للإنزال، فقالوا خيراً : أي أنزل خيراً، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأوّلين، وليس من الإنزال في شيء. وروي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي ﷺ، فإذا جاء الوافد كفه المقتسمون وأمروه بالانصراف وقالوا : إن لم تلقه كان خيراً لك، فيقول : أنا شرّ وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد وأراه، فيلقى أصحاب رسول الله ﷺ فيخبرونه بصدقه،