يعني : بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم. وذلك قوله ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ ( القمر : ٤٥ )، ﴿ قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ﴾ ( آل عمران : ١٢ ) وغير ذلك، فجعله كأن قد كان ووجد، فقال : أحاط بالناس على عادته في إخباره.
( ٦٢٠ ) وحين تزاحف الفريقان يوم بدر والنبي ﷺ في العريش مع أبي بكر رضي الله عنه كان يدعو ويقول :( اللهم إني أسألك عهدك ووعدك ) ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس ويقول :﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ ولعلّ الله تعالى أراه مصارعهم في منامه.
( ٦٢١ ) فقد كان يقول حين ورد ماء بدر ( والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ) وهو يوميء إلى الأرض ويقول : هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان، فتسامعت قريش بما أوحى إلى رسول الله ﷺ من أمر يوم بدر وما أري ) في منامه من مصارعهم، فكانوا يضحكون ويستسخرون ويستعجلون به استهزاء وحين سمعوا بقوله :﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الاْثِيمِ ﴾ ( الدخان : ٤٣ ) جعلوها سخرية وقالوا : إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة، ثم يقول ينبت فيها الشجر. وما قدر الله حق قدره من قال ذلك، وما أنكروا أن يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله النارا فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك تتخذ منه مناديل، إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالماً لا تعمل فيه النار. وترى النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد الحمر كالجمر بإحماء النار فلا تضرها، ثم أقرب من ذلك أنه خلق في كل شجرة ناراً فلا تحرقها، فما أنكروا أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. والمعنى : أنّ الآيات إنما يرسل بها تخويفاً للعباد، وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر. فما كان ما ﴿ أَرَيْنَاكَ ﴾ منه في منامك بعد الوحي إليك ﴿ إِلاَّ فِتْنَةً ﴾ لهم حيث اتخذوه سخريا وخوّفوا بعذاب الآخرة وشجرة الزقوم فما أثر فيهم، ثم