نوازل الخطوب، ويستشيرونكم في المهمات والعوارض ويستشفون بتدابيركم، ويستضيئون بآرائكم أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحائب أكفكم، ويمترون أخلاف معروفكم وأياديكم : إما لأنهم كانوا أسخياء ينفقون أموالهم رئاء الناس وطلب الثناء. أو كانوا بخلاء فقيل لهم ذلك تهكماً إلى تهكم، وتوبيخاً إلى توبيخ ﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى يا ولينا، لأنها دعوى، كأنه قيل : فما زالت تلك الدعوى ﴿ دَعْوَاهُمْ ﴾ والدعوى بمعنى الدعوة. قال تعالى :﴿ دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾ ( يونس : ١٠ ). فإن قلت : لم سميت دعوى ؟ قلت : لأن المولول كأنه يدعو الويل، فيقول تعالى : يا ويل فهذا وقتك. و ﴿ تِلْكَ ﴾ مرفوع أو منصوب اسماً أو خبراً وكذلك دعواهم. الحصيد : الزرع المحصود. أي : جعلناهم مثل الحصيد، شبههم به في استئصالهم واصطلامهم كما تقول : جعلناهم رماداً، أي مثل الرماد. والضمير المنصوب هو الذي كان مبتدأ والمنصوبان بعده كانا خبرين له، فلما دخل عليها جعل نصبها جميعاً على المفعولية. فإن قلت كيف ينصب ( جعل ) ثلاثة مفاعيل ؟ قلت : حكم الاثنين الآخرين حكم الواحد ؛ لأنّ معنى قولك ( جعلته حلواً حامضاً ) جعلته جامعاً للطعمين. وكذلك معنى ذلك : جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود.
! ٧ < ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالاٌّ رْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ١٦ ) وما خلقنا السماء..... > > أي : وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق مشحونة بضروب البدائع والعجائب، كما تسوّي الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم، للهو واللعب، وإنما سويناها للفوائد الدينية والحكم الربانية، لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا، مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعدّ والمرافق التي لا تحصى. ثم بين أنّ السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعالي : هو أن الحكمة صارفة عنه، وإلا فأنا قادر على اتخاذه إن كنت فاعلاً لأني على كل شيء قدير. وقوله :﴿ لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا ﴾، كقوله :﴿ رّزْقاً مّن لَّدُنَّا ﴾ ( القصص : ٥٧ ) أي من جهة قدرتنا وقيل : اللهو الولد بلغة اليمن. وقيل المرأة. وقيل من لدنا، أي من الملائكة لا من الإنس، ردّاً لولادة المسيح وعزير.

__________


الصفحة التالية
Icon