وبعد أن وصف كرامتهم عليه، وقرب منزلتهم عنده، وأثنى عليهم، وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية والأعمال المرضية.
فاجأ بالوعيد الشديد، وأنذر بعذاب جهنم من أشرك منهم إن كان ذلك على سبيل الفرض والتمثيل، مع إحاطة علمه بأنه لا يكون، كما قال :﴿ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ ( الأنعام : ٨٨ ) قصد بذلك تفظيع أمر الشرك وتعظيم شأن التوحيد.
! ٧ < ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ٣٠ ) أولم ير الذين..... > > قرىء :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ بغير واو. و ﴿ رَتْقاً ﴾ بفتح التاء، وكلاهما في منى المفعول، كالخلق والنقض، أي : كانتا مرتوقتين. فإن قلت : الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر، فما بال الرتق ؟ قلت : هو على تقرير موصوف، أي : كانتا شيئاً رتقاً ومعنى ذلك : أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما. أو كانت السموات متلاصقات، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرّج بينها. وقيل : ففتقناها بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة، وإنما قيل : كانتا دون كنّ، لأنّ المراد جماعة السموات وجماعة الأرض، ونحوه قولهم : لقاحان سوداوان، أي : جماعتان، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر. فإن قلت : متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك ؟ قلت : فيه وجهان، أحدهما : أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المرئيِّ المشاهد. والثاني : أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل، فلا بدّ للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه ﴿ وَجَعَلْنَا ﴾ لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنتين، فإن تعدّى إلى واحد، فالمعنى : خلقنا من الماء كل حيوان، كقوله :﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء ﴾ ( النور : ٤٥ ) أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه، كقوله تعالى :﴿ خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ ( الأنبياء : ٣٧ ) وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى : صيرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء لا بدّ له منه. و ( من ) هذا نحو ( من ) في قوله عليه السلام.

__________


الصفحة التالية
Icon