النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة. فإن قلت : كيف طابق ذكر العفوّ الغفور هذا الموضع ؟ قلت : المعاقب مبعوث من جهة الله عزّ وجلّ على الإخلال بالعقاب، والعفو عن الجاني على طريق التنزيه لا التحريم ومندوب إليه، ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب، ولم ينظر في قوله تعالى :﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ ( الشورى : ٤٠ )، ﴿ وَأَن تَعْفُواْ * أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ ( البقرة : ٢٣٧ )، ﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاْمُورِ ﴾ ( الشورى : ٤٣ ) : فإنّ الله لعفو غفور، أي : لا يلومه على ترك ما بعثه عليه، وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه. ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي، ويعرّض مع ذلك بما كان أولى به من العفو، ويلوّح به بذكر هاتين الصفتين. أو دلّ بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة، لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضدّه.
! ٧ < ﴿ ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ > ٧ !
< < الحج :( ٦١ ) ذلك بأن الله..... > > ﴿ ذالِكَ ﴾ أي ذلك النصر بسبب أنه قادر. ومن آيات قدرته البالغة أنه ﴿ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ ﴾ أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشرّ والبغي والإنصاف، وأنه ﴿ سَمِيعُ ﴾ لما يقولون ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بما يفعلون. فإن قلت : ما معنى إيلاج أحد الملوين في الآخر ؟ قلت : تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء، ذاك بغيبوبة الشمس. وضياء ذاك في مكان ظلمة هذا بطلوعها، كما يضيء السرب بالسراج ويظلم بفقده. وقيل : هو زيادته في أحدهما ما ينقص من الآخر من الساعات.
! ٧ < ﴿ ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ ﴾ > ٧ !
< < الحج :( ٦٢ ) ذلك بأن الله..... > > وقرىء :﴿ تَدْعُونَ ﴾ بالتاء والياء. وقرأ اليماني. وأن ما يدعون. بلفظ المبني للمفعول، والواو راجعة إلى ( ما ) لأنه في معنى الآلهة، أي : ذلك الوصف بخلق الليل والنهار والإحاطة بما يجري فيهما وإدراك كل قول وفعل، بسبب أنه الله الحق الثابت