لك، فأنت إن حققت النظر عابد الشيطان، إلا أن إبراهيم عليه السلام لإمعانه في الإخلاص ولارتقاء همته في الربانية لم يذكر من جنايتي الشيطان إلا التي تختص منهما برب العزة من عصيانه واستكباره، ولم يلتفت إلى ذكر معاداته لآدم وذرّيته كأن النظر في عظم ما ارتكب من ذلك غمر فكره وأطبق على ذهنه. ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة وبما يجرُّه ما هو فيه من التبعة والوبال، ولم يخل ذلك من حسن الأدب، حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق له وأن العذاب لاصق به، ولكنه قال : أخاف أن يمسك عذاب، فذكر الخوف والمس ونكر العذاب، وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب، وذلك أن رضوان الله أكبر من الثواب نفسه، وسماه الله تعالى المشهود له بالفوز العظيم حيث قال :﴿ وَرِضْوانٌ مّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ فكذلك ولاية الشيطان التي هي معارضة رضوان الله، أكبر من العذاب نفسه وأعظم، وصدّر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله :﴿ * يا أبت ﴾ توسلاً إليه واستعطافاً ف ﴿ لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا ﴾ في ﴿ مَا لاَ يَسْمَعُ ﴾ و ﴿ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ يجوز أن تكون موصولة وموصوفة، والمفعول في ﴿ لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ ﴾ منسي غير منوي، كقولك : ليس به استماع ولا إبصار ﴿ شَيْئاً ﴾ يحتمل وجهين، أحدهما : أن يكون في موضع المصدر، أي : شيئاً من الغناء، ويجوز أن يقدر نحوه مع الفعلين السابقين. والثاني : أن يكون مفعولاً به من قولهم : أغن عني وجهك ﴿ إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ فيه تجدد العلم عنده.
! ٧ < ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِى ياإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى مَلِيّاً ﴾ > ٧ !
< < مريم :( ٤٦ ) قال أراغب أنت..... > > لما أطلعه على سماجة صورة أمره، وهدم مذهبه بالحجج القاطعة، وناصحه المناصحة العجيبة مع تلك الملاطفات، أقبل عليه الشيخ بفظاظة الكفر وغلظة العناد، فناداه باسمه، ولم يقابل ﴿ * يا أبت ﴾ بيابنيّ، وقدّم الخبر على المبتدأ في قوله :﴿ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى ياإِبْراهِيمُ * إِبْرَاهِيمَ ﴾ لأنه كان أهمّ عنده وهو عنده أعني، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته، وأن آلهته، ما ينبغي أن يرغب عنها أحد. وفي هذا سلوان وثلج لصدر رسول الله ﷺ عما كان يلقي من مثل ذلك من كفار قومه ﴿ لارْجُمَنَّكَ ﴾ لأرمينك بلساني، يريد الشتم والذمّ، ومنه ( الرجيم ) المرميّ باللعن. أو لأقتلنك، من رجم الزاني. أو لأطردنك رمياً بالحجارة. وأصل الرجم : الرمي بالرجام ﴿ مَلِيّاً ﴾ زمانا طويلاً من الملاوة : أو ملياً بالذهاب عني والهجران قبل أن أثخنك بالضرب، حتى لا