ينزل المطر منه، وأنه يقسم رحمته بين خلقه ويقبضها ويبسطها على ما تقتضيه حكمته، ويريهم البرق في السحاب الذي يكاد يخطف أبصارهم، ليعتبروا ويحذروا. ويعاقب بين الليل والنهار، ويخالف بينهما بالطول والقصر. وما هذه إلاّ براهين في غاية الوضوح على وجوده وثباته. ودلائل منادية على صفاته، لمن نظر وفكر وتبصر وتدبر. فإن قلت : متى رأى رسول الله ﷺ تسبيح من في السماوات ودعاؤهم، وتسبيح الطير ودعاءه، وتنزيل المطر من جبال برد في السماء، حتى قيل له : ألم تر ؟ قلت : علمه من جهة إخبار الله إياه بذلك على طريق الوحي. فإن قلت : ما الفرق بين من الأولى والثانية والثالثة في قوله :﴿ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ ﴾، ﴿ مِن بَرَدٍ ﴾ ؟ قلت : الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض. والثالثة للبيان. أو الأوليان للابتداء : والآخرة للتبعيض. ومعناه : أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها، وعلى الأوّل مفعول ( ينزل ) :( من جبال ). فإن قلت : ما معنى ﴿ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾ ؟ قلت : فيه معنيان. أحدهما : أن يخلق الله في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر. والثاني : أن يريد الكثرة بذكر الجبال، كما يقال : فلان يملك جبالاً من ذهب.
! ٧ < ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ > ٧ !
< < النور :( ٤٥ ) والله خلق كل..... > > وقرىء :( خالق كل دابة ). ولما كان اسم الدابة موقعاً على المميز وغير المميز، غلب المميز فأعطى ما وراءه حكمه، كأن الدواب كلهم مميزون، فمن ثمة قيل : فمنهم، وقيل : من يمشي في الماشي على بطن والماشي على أربع قوائم. فإن قلت : لم نكر الماء في قوله :﴿ مِن مَّاء ﴾ ؟ قلت : لأن المعنى أنه خلق كل دابة من نوع من الماء مختصّ بتلك الدابة، أو خلقها من ماء مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة، فمنها هوام ومنها بهائم ومنها ناس. ونحوه قوله تعالى :﴿ يُسْقَى بِمَاء واحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الاْكُلِ ﴾ ( الرعد : ٤ ). فإن قلت : فما باله معرّفاً في